الذكر والشكر

الذكر والشكر :

المعلم ، صلى الله عليه وسلم ، يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه ، كما يوصينا أجمعين ، أن ندعو ربنا العظيم ، دبر كل صلاة مكتوبة ، بكلمات رقيقة من دعائه الكثير الذي لم ينقطع طيلة حياته الكريمة صلوات ربي وسلامه عليه .

وها هو الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه يعلمنا عن المعلم صلى الله عليه وسلم ، قال :
” يَا مُعَاذ ، واللهِ ، إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ ، لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُول : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ “.
( رواه أحمد وأبو داود والنسائي ).

صحابي وفقيه وقارئ القرآن ، وراوٍ للحديث النبوي .

هو من الأنصار من بني أدّى من بني جشم بن الخزرج ، أسلم وهو ابن 18 سنة ، وشهد بيعة العقبة الثانية ، ثم شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها .

استبقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة بعد فتحها ليُعلّم الناس القرآن ويفقههم ، ثم بعثه عاملًا له في اليمن بعد غزوة تبوك .

قال عنه الذهبي في السير :
السيد الإمام أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري .
شهد العقبة شابًا أمرد ، وله عدة أحاديث .
روى عنه ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وأنس ، وأبو أمامة ، وأبو ثعلبة الخشني ، ومالك بن يخامر ، وأبو مسلم الخولاني ، وعبد الرحمن بن غنم ، وجنادة بن أبي أمية ، وأبو بحرية عبدالله بن قيس ، ويزيد بن عميرة ، وأبو الأسود الديلي ، وكثير بن مرة ، وأبو وائل ، وابن أبي ليلى ، وعمرو بن ميمون الأودي ، والأسود بن هلال ، ومسروق ، وأبو ظبية الكلاعي ، وآخرون .

وروى الواقدي عن رجاله أن معاذًا شهد بدرًا وله عشرون سنة أو إحدى وعشرون .

وقال عبد الصمد بن سعيد : نزل حمص ، وكان طويلًا ، حسنًا ، جميلًا .

وروى قتادة عن أنس ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، وزيد ، ومعاذ بن جبل ، وأبو زيد أحد عمومتي .. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : خذوا القرآن من أربعة : من ابن مسعود ، وأبي ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة .

نعود إلى حديث معاذ :
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : جمع الحديث بين الذكر والشكر ، كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى : ” فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ “.
( الوابل الصيب ).

ندعوكم لقراءة : ذكر الله

– شرح الحديث :

هذا النبي الكريم المعلم المحب المتواضع صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ بن جبل رضي الله عنه بعد أن أقسم له ، أنه يحبه ، ياله من معلم ، لمن يريد أن يتعلم .. وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- أقسم أنَّه يحبه ، والمحب لا يدَّخر لحبيبه إلا ما هو خير له ؛ وإنما قال هذا له ؛ لأجل أن يكون مستَعِدًا لما يلقى إليه ؛ لأنه يلقيه إليه من محب .

ثم قال له : ” لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة ” ؛ أي : مكتوبة ، ” اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك “.

وقوله : ” أعِنِّي على ذكرك ” ؛ يعني : كل قول يقرب إلى الله ، وكل شيء يقرب إلى الله ، فهو من ذكر الله وشكره ، أي : شكر النعم واندفاع النقم ، فكم من نعمة لله على خلقه ، وكم من نقمة اندفعت عنهم ؛ فيشكر الله على ذلك .

قال أحدهم :
كلما شعرت بعدم الإنجاز في يومي ، تذكرت هذا الحديث النبوي الشريف ؛ الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لأَنْ أَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ “. (رواه مسلم)

فأقول هذا الذكر مستشعرًا أني أنجزت إنجازًا لا تساويه الدنيا كلها ؛ فيهدأ قلبي وتطمئن نفسي .

يقول الأستاذ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي :
يحرص عدوك الشيطان على أن يقيض لسانك عن ذكره الله تعالى ؛ لكي يتمكن من الوصول إلى بقية أعضاء جسدك ؛ لأنه إذا نجح بإسكان لسانك عن الذكر استسلمت بقية الأعضاء ، عندها يضمن الشيطان ولاء هذا العبد ، قال تعالى : ” اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ “. (المجادلة : 19)

بدأ الشيخ المعصراوي حياته العملية مدرسًا بالمعاهد الأزهرية من 1976/1/1 حتى 8/10/1993 ، ثم انتقل إلى جامعة الأزهر قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية في القاهرة مدرسًا للحديث ثم أستاذًا مساعدًا ثم أستاذًا بالقسم نفسه .

ثم رئيس لجنة مراجعة المصاحف بمجمع البحوث الإسلامية ، وشيخ مقرأة مسجد الإمام الحسين بالقاهرة ، وعضو لجنة الاختبار بالإذاعة المصرية ، وشيخ عموم المقارئ المصرية .

شارك في تحكيم الكثير من المسابقات منها مسابقة بروناي ، وتايلاند وتركيا ومكة ، ومسابقات مصر الدولية ومسابقات قطر ودبي الدولية ، ومسابقة الأمير سلطان بالسنغال ، شارك في الكثير من اللقاءات الدولية للوعظ والإمامة في كثير من بلدان العالم وصلاة التراويح في كثير من أقطار الدنيا .

ندعوكم لقراءة : الشكر

– فوائد وفرائد :

️قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله عز وجل وما اتصل به .
( الداء والدواء ).

– الشكر قولًا وعملًا :

أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بذكره جلّ في علاه ، ووعد عليه أفضل الجزاء ، وهو الثناء في الملأ الأعلى على مَنْ ذكره ، كما أمرهم بالشكر قولًا وعملًا ؛ كما قال : ” ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْرًا “.

– يقول القرطبي :

قوله تعالى : فاذكروني أذكركم ، أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم .
وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له .
وسُمِّي الذكر باللسان ذِكرًا لأنه دلالة على الذكر القلبي ، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم .

– اشكروا لله :

قال الملك عز وجل :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ “. (البقرة : 172)

Exit mobile version