التقليد الأعمى :
- التقليد لغةً :
التقليد : وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به ، ويسمى ذلك قلادة ، ويأتي بمعنى الإلزام ، والتناوب وأصل هذه المادة يدل على تعليق شيء وليه به .
( انظر : لسان العرب لابن منظور 366/3 ).
- والتقليد اصطلاحًا :
قال ابن تيمية : التقليد هو قبول القول بغير دليل .
وقال الجرجاني : عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل ، معتقدًا للحقيقة فيه ، من غير نظر وتأمل في الدليل .
في بلادنا العربية والإسلامية ، نقلد بلاد الغرب في أمور غاية في الغرابة ؛ نقلدهم في الشكل وليس في المضمون ، في طريقة أكلهم ، وشربهم ، ولبسهم ، في حلاقة شعرهم ، وما إلى ذلك من الشكليات ، التي تخالف تعاليم ديننا ، وثقافتنا ، وعاداتنا وتقاليدنا ، وكأننا بلا هوية ، وكأننا مجرد إمعات ، وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدث مثل هذا الأمر الخطير ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر ، وذراعًا بذراع ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ ؛ قلنا : يا رسول الله ؛ اليهودُ والنَّصارى ؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : فَمَن؟! “. (متفق عليه)
والحديث له ألفاظ أخرى بالمعنى نفسه والتشبيه بجحر الضب .
وفي رواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا :
” لتتبعن سنن من كان قبلكم ، حذو القُذَّةِ بالقُذَّة ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه .
قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن؟ “.
وذلك أن الضب يقوم بعمل فتحة واحدة للجُحر ، بعكس بعض الحيوانات التي تعمل عدة فتحات للجحر بغرض التهوية والتمويه ؛ للهروب من الأعداء .
إذًا جُحره هلكة ، مميت لمن بداخله ، فلو أغلق أحدٌ هذه الفتحة عليه ؛ لا يستطيع الخروج ولمات بداخلها .
ولو غمره أحدٌ بالماء ؛ لاضطر للخروج فيمسكون به .
وقد قرر الخبراء بالحيوان أن ( جُحر الضب ) يجمع بين القذارة الشديدة والضيق الشديد ، فلا جمال فيه يجذب من يدخله .
وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول لنا : ( إنكم ستتبعون سنن الكافرين وأفعالهم وتسيرون على خطاهم خطوة خطوة ) ، حتى فيما اتضح قبحه .
هذا ما نجده واضحًا في كثير من القضايا التي ثبت فشلها في الغرب ، ومع ذلك نريد أن نسير عليها رغم شكوى الغرب منها ؛ مثل قوانين الأسرة ، والزواج المدني ، وأمراض الشذوذ ، والموضة القاتلة ، وقوانين العلاقات الأسرية ، وتحرر الفتيات من الولاية بعد سن محدد ، وحرية الزنا ، وشرب الخمر ، وغيرها مما تشمئز منه النفوس السوية .
لقد صدق علينا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فاتبعنا ( الغرب ) الذي يقوده اليهود والنصارى شبرًا شبرا ، وذراعًا ذراعا ، حتى عبادة الشيطان لم تعد سوى تعبير عن الحرية الشخصية !
لقد فقدنا هويتنا ، وتقمصنا شخصية الغرب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
علينا أن نعيد بناء شخصيتنا ، ونرفض ” الشخصية الضبّية ” ، وأن يكون منهجنا قوله تعالى :
” وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ “.
نسأل الله تعالى الصلاح والهداية لأمة الإسلام والعودة إلى الصراط المستقيم .
يخبرنا أبو سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذه الأمة ستقلد الأمم السابقة في عاداتها وسياساتها ودياناتها ، وأنها ستحاول مشابهتهم في كل شيء ، كما تشبه ريشة السهم للريشة الأخرى ، ثم أكد هذه المشابهة والمتابعة بأن الأمم السابقة لو دخلت جحر ضب مع ضيقه وظلمته لحاولت هذه الأمة دخوله ، ولما استفسر الصحابة رضي الله عنهم عن المراد بمن كان قبلهم ، وهل هم اليهود والنصارى ؟ أجاب بنعم .
- محاربة التقليد :
لله در الشاعر القائل :
ونحارب التقليدَ طولَ زماننا … مع حبّنا للعالِم المتجرّدِ
وكذا الأئمّة حبُّهم متمكّنٌ … من كل نفسٍ يا بريّةُ فاشهدي
وترقّ أنفُسُنا لرؤية مَن غدا … في ربقة التقليد شبه مقيَّدِ
إنّا نرى التقليدَ داءً قاتلًا … حجب العقولَ عن الطريق الأرشدِ
جعل الطريقَ على المقلِّدِ حالكًا … فترى المقلّدَ تائهًا لا يهتدي
فلذا بدأنا في اجتثاث جذوره … من كلّ قلبٍ خائفٍ متردّدِ
ولسوف ندمل داءه وجراحَه … بمراهمِ الوحي الشريف المرشِدِ