إياك واللعن :
يُعَدُّ اللعن في الشرع الإسلامي من المحرمات ، وهو بمعنى الطرد من رحمة الله ، ودلت النصوص الشرعية على تحريمه ، ومنها حديث : ” لعن المسلم كقتله “. (متفق عليه)
كما ورد النهي عن لعن الأشخاص مثل : الدواب أو البهائم ومما يدل على تحريم ذلك حديث ورد في صحيح البخاري .
وقسم العلماء اللعن إلى قسمين :
الأول : لعن الشخص المعين ، وهو حرام عند جماهير العلماء ، وحكى ابن العربي الإجماع على ذلك .. والقسم الثاني : لعن غير المعين مثل : لعن من أكل الربا ، فلو كان هناك شخص يتعامل بالربا فلا يجوز لعنه بعينه ، وإنما يجوز بصفة التعميم بأن يكون مثلًا : لعن الأشخاص الذين يتعاملون بالربا ، من غير أن يخصص أحدًا بعينه .
واللعن منهي عنه حيث إنه من قبيل البذاءة وسوء الخلق .
ويتعلق باللعن أمران أحدهما : حق الشخص الذي توجه اللعن إليه .. والثاني : حق الله وهو حصول الإثم والعصيان بسبب اللعن .
- اللعن لغةً :
أصل اللَعن في اللغة : الطرد والإبعاد على سبيل السخط ، أو الطرد ، والإبعاد من الخير ، وكلاهما بمعنى واحد ، لكن قد يختلف المعنى بحسب قائل اللعن : فإذا كانت اللعنة من الله تعالى في الآخرة ؛ فهي العقوبة والعذاب .. وإذا كانت منه سبحانه في الدنيا ؛ فهي انقطاعٌ من قبول رحمته وتوفيقه .
وإذا كانت من الإنسان ؛ فهي بمعنى الدعاء على غيره .
وقد تكون من الإنسان بمعنى السب لغيره .
( عن معجم مقاييس اللغة لابن فارس : 5/ 252 ـ 253 ؛ لسان العرب لابن منظور : 13/ 387 ؛ مفردات ألفاظ القرآن للأصبهاني ، ص741؛ المصباح المنير للفيومي ، ص212 ، كلهم مادة لعن ).
- اللَعن اصطلاحًا :
قال القرطبي رحمه الله : وهو في الشرع : البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى ناره وعقابه .
وقد عرَّفه ابن عابدين نقلًا عن القُهُستان بقوله : وشرعًا في حق الكفار : الإبعاد عن رحمة الله ، وفي حقّ المؤمنين : الإسقاط عن درجة الأبرار .
( انظر المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم ).
- لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعانًا :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :
” لا ينبغي لصدّيق أن يكون لعانًا “. (رواه مسلم)
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه ما أخبره النبي ﷺ بشيء إلا قال : صدقت ، فهو عظيم التصديق ، وكذلك من كثر صدقه ، يقال له : صديق ، فالصديقية مرتبة عالية من مراتب أهل الإيمان ، كما قال الله تعالى : ” وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا “. (النساء : 69)
فهؤلاء أهل المراتب العالية ، فذكرهم بعد النبيين -عليهم الصلاة والسلام- ، فهذه المرتبة مرتبة الصديقية لها متطلبات ؛ ولأهلها أوصاف وأخلاق ، وأعمال ، ومزاولات ، فمن ذلك أن الواحد منهم بهذه المثابة لا يكون لَّعانًا ، واللعَّان هو كثير اللعن ، لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا .
فمن أراد أن يصل إلى المراتب العالية في أهل الإيمان من مراتب العبودية ، فعليه أن يتخلى عن الأوصاف التي تنافي ذلك المقام ، ومن ذلك كثرة اللَعن .
ولما ذكر النبي ﷺ النساء ، وأمرهن بالصدقة ، قال : فإني رأيتكن أكثر أهل النار ثم ذكر علتين لهذا :
الأولى : قال : تكثرن اللعن ، فالإكثار من اللعن كان سببًا لدخول النار ، فكيف يكون من كان بهذه المثابة من الصديقين ، ومن أصحاب المراتب العالية ؟!
هذا لا يكون ، لا ينبغي لصديق أن يكون لعَّانًا .
- لا شفعاء ولا شهداء :
وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ :
” لا يكون اللعانون شفعاء ، ولا شهداء يوم القيامة “. (رواه مسلم)
فهناك : لا ينبغي لصِدِّيق وفي بعض الأحاديث : لا ينبغي لمؤمن أن يكون لعانًا ، فذكر المؤمن ، فذلك لا يكون لأهل الإيمان أيضًا .
وهنا ذكر أيضًا حالًا للعانين ، وهو أيضًا أنهم لا يكونون شفعاء ، يعني : يشفعون للناس يوم القيامة ، ونحن نعلم أن الأنبياء -عليهم السلام- يشفعون ، وأن الصديقين يشفعون ، وأن الصالحين يشفعون ، وأن الشهداء يشفعون ، فاللعانون من أهل الإيمان لا يشفعون ، فالذي يشفع إنما يشفع ؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قد رضي عنه ، وأذن بشفاعته ، وهؤلاء لم يكونوا بتلك المرتبة عند الله تعالى ، ولا بتلك المنزلة في درجة إيمانهم ، وكمال عبوديتهم ، فلا يصلح الواحد منهم أن يكون شفيعًا يشفع لأهله ولولده ولقرابته وللناس يوم القيامة ، ولا شهداء يشهدون على الخلق ، والله عز وجل قال عن هذه الأمة : ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا “. (البقرة : 143)
فهذه الأمة تشهد على الأمم ، وهؤلاء من اللعانين لا يكون الواحد منهم من الشهداء يوم القيامة ، وإنما الشهداء هم العدول ، وهذا كثير اللعن لا يكون أيضًا بهذه الصفة ، وهذا يدل على انحطاط مرتبته ، ونقص إيمانه .
وهذا حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ :
” لا تلاعنوا بلعنة الله ، ولا بغضبه ، ولا بالنار “.
( رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ).
- ويقول الإمام ابن باز رحمه الله تعالى :
لا يجوز لَعْن الرجل لأبنائه ولا غيرهم من المسلمين لقول النبي ﷺ :
” سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر “. (متفق على صحته)
وقوله عليه الصلاة وأزكى السلام :
” لعن المؤمن كقتله “. (أخرجه البخاري في صحيحه)
هذان الحديثان الصحيحان يدلان على أن لَعْنَ المسلم لأخيه من كبائر الذنوب .
فالواجب الحذر من ذلك ، وحفظ اللسان من هذه الجريمة الشنيعة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ “.
( أخرجه الترمذي : 1977 ، واللفظ له ، وأحمد : 3839 ).