أشعار تمس الواقع :
قال الله تعالى :
” وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ “. (الشعراء : ٢٢٤-٢٢٧)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن من الشعر لحكمة “. (رواه البخاري)
هذه أشعار كُتبت من قبل ، وتشعر أنها تمس واقعنا المعاصر ، وكأن أصحابها يعيشون بيننا الآن ، وإليكم طرفًا منها :
- انقلاب الموازين :
لله در قائل هذه الأبيات :
خنافسُ الأرض تجـري في أعِنَّتِها … وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتـدِ
وأكرمُ الأُسْدِ محبـوسٌ ومُضطهدٌ … وأحقرُ الدودِ يسعى غير مضطهـدِ
وأتفهُ الناس يقضي في مصالحهمْ … حكمَ الرويبضـةِ المذكورِ في السنَدِ
فكم شجاعٍ أضـاع الناسُ هيبتَهُ … وكمْ جبانٍ مُهـابٍ هيبـةَ الأسَدِ
وكم فصيحٍ أمات الجهلُ حُجَّتَهُ …وكم صفيقٍ لهُ الأسـماعُ في رَغَدِ
وكم كريمٍ غدا في غير موضعـهِ … وكم وضيعٍ غدا في أرفعِ الجُــدَدِ
در الزمان على الإنسان وانقلبت … كل الموازين واختلت بمستندِ
- الأمة تشكو :
قال بعضهم :
ما أنا الشاكي ولكن أمة … أصبحت تشكو كما يشكو اليتامى
تبصــر الشر ولا تنكره … وعن المعــروف -جبنًا- تتعـامى
وتداري كل أفــاك ولــو … بث في أبنائــها الــرأي الحــرامـا
وترجي من أعاديها الهدى … وتواليــهم قضــاء واحتــكــامـا
كم صفيق الوجه صفقنا له … وسفــيه قـــد جعــلنـــاه إمـامــا
وشريف القصد شهرنا به … وظــلمــناه اعـتــداء واتـهــامــا
- دع الأيام تفعل ما تشاء :
( للإمام الشافعي رحمه الله )
دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ … وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي … فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ
وَكُن رَجُلًا عَلى الأَهوالِ جَلدًا … وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ
وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا … وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ
تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ … يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ
وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلًّا … فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ
وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ … فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ
وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي … وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ
وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ … وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ
إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ … فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ
وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا … فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ
وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن … إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ
دَعِ الأَيّامَ تَغدِرُ كُلَّ حِينٍ … فَما يُغني عَنِ المَوتِ الدَواءُ
- الثعلب والديك :
( لأمير الشعراء أحمد شوقي )
بـَرَزَ الثعـــْـــلَبُ يومًا … في شـِعـــار الواعـِظيـنا
فـَمـَشى في الأرضِ يـَهــْـدي … ويـَســُـبُّ المـاكرينا
ويقول : الحـــَــــمـْد لله … إلـــَـــه العالــــَــمينا
يا عـــِـــباد الله توبوا … فـَهو كـَهـْفُ التــائبينا
وازهـَدوا في الطـَيـْر إن الـ … عـَيـْش عـَيـْشُ الزاهـِدينا
واطـْلـُبوا الديـــك يؤذن … لصـَـلاة الصـُـبـْح فينا
فأتَى الديكَ رَســــُــولٌ … مـِن إمــام الناســــكينا
عـَرَضَ الأمرَ عـَلـَيـْـهِ … وهو يـَرجـــو أن يـَلينا
فأجـــــاب الديـكُ عـُذْرًا … يا أضــَـل المهـْتـَدينا
بـَلـِّـغ الثـَعـْلـَبَ عـَنـي … عـَنْ جـُدودي الصالحـــينا
عن ذَوي التـِيجان مـِمـَّن … دَخــَــلَ البـَطـْنَ اللعينا
إنهم قـــالوا وخـَيـْرُ الـ … قـَوْلِ قـَـوْلُ العـــارفينا
” مـُخـْطـِئ ٌمـَنْ ظـَنّ يـَومـًا … أنَ لِلثـَعـْـلَبِ ديـــنا “
- مضحكات :
( لشاعر النيل حافظ إبراهيم )
وكم ذا بمصر من المضحكات … كما قال فيها أبو الطيبِ
أمورٌ تمر وعيشٌ أَمَرّ … ونحن من اللهو في ملعبِ
وشعبٌ يفر من الصالحاتِ … فرار السليمِ من الأجربِ
- أين الملوك ؟! :
قال أعشى قيس :
أين الملوك ومَنْ بالأرضِ قد عمروا … قد فارقوا ما بنوا فيها وما عَمَروا
أين العساكر ما ردَّت وما نفعت … وأين ما جمعوا فيها وما ادخروا
أتاهم أمر ربِّ العرشِ في عَجَلٍ … لم يُنجِهِم منه لا مالٌ ولا وَزَرُ
- نعيب زماننا :
( للإمام الشافعي )
نـعـيـب زمـانـنا والـعـيبُ فـيـنا … ومـــا لـزمـانـنا عــيـبٌ سـوانـا
ونـهـجو ذا الـزمان بـغير ذنـبٍ … ولـو نـطق الـزمان لـنا هجانا
فـدنـيـانـا الـتـصـنع والـتـرائـي … ونــحــن نــخــادع مـــن يــرانـا
وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ … ويــأكـلُ بـعـضُنا بـعـضًا عـيـانا
هذه أشعار تمس الواقع تشعر كأن من كتبها يعيش بيننا وكأنها كُتبت لتتحدث عن واقعنا المعاصر !