أذكار وثمار :
– الذكر والأذكار حياة القلوب ودواؤها .
– قال الله تعالى : ” فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ “. (البقرة : 152)
– وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحيِّ والميت “. (رواه البخاري ومسلم)
– وقال الحسن البصري رحمه الله : { تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، وفي الذكر ، وقراءة القرآن ، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق }.
– وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله تعالى على كل أحيانه “. (رواه مسلم)
– فاذكروا الله بالتوحيد ، يذكركم بالتأييد ..
واذكروه بالشكر ، يذكركم بالمزيد ..
واذكروه بالمحبة ، يذكركم بالقربة ..
واذكروه بالخوف ، يذكركم بالأمان ..
واذكروه بالرجاء ، يذكركم بتحقيق الآمال .
– يقول جل شأنه في الحديث القدسي الذي رواه الإمامان البخاري ومسلم : ” أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا ، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا ، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة “.
– واعلم -أخي في الله- أن الذكر والأذكار أشرح للصدر وأعظم للأجر .
– وقال الإمام القشيري رحمه الله : { الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى ، بل هو العمدة في هذا الطريق ، ولا يصل أحدٌ إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر .. وحسبك أنك بدوام الذكر لله تعالى تكون جليسًا لملك الملوك سبحانه ؛ الذي يقول في حديثه القدسي : ” أنا جليس من ذكرني ” ، وأنك تفوز بخير عظيم وتُكتب من ” ٱلذَّاكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذَّاكِرَاتِ ” (الأحزاب : 35) .. وأنك تكون في حصانة من كيد الشيطان ، وإلا كان قرينًا لك ؛ قال تعالى : ” وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ” (الزخرف : 36) .. فكن من أولي الألباب : ” ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ ” (آل عمران : 191) }.
– وكما قال الدكتور عائض القرني : { لم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر ، فذكره سبحانه جنته في أرضه ؛ فمن لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابها ، بل هو طريق ميسر مختصر إلى كل فوز وفلاح }.
– فيا من يشتكي الأرق ، ويبكى من الألم ، وتفجعته الحوادث ، ورمته الخطوب ، هيا اهتف باسمه المقدس ، ” هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ” (مريم : 65) .. فبقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك ، ويهدأ قلبك ، وتسعد نفسك ، ويرتاح ضميرك ، لأن في ذكره جل في علاه معاني التوكل عليه ، والثقة فيه ، والاعتماد عليه ، والرجوع إليه ، وحسن الظن به ، وانتظار الفرج منه ، فهو قريب إذا دُعي ، سميع إذا نُودي ، مجيب إذا سُئل ، فاضرع واخضع واخشع ، وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك توحيدًا وثناءً ومدحًا ودعاءً وسؤالًا واستغفارًا ، وسوف تجد -بحوله وقوته- السعادة والأمن والسرور والنور والحبور .
قال تعالى : ” فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ “. (آل عمران : 148)
– يقول الدكتور عائض القرني :
{ إذا اضطرب البحر ، وهاج الموج ، وهبت الريح .. نادى أصحاب السفينة : ” يا الله “
إذا ضل الحادي في الصحراء ، ومال الركب عن الطريق ، وحارت القافلة في السير .. نادوا : ” يا الله “
إذا وقعت المصيبة ، و حلت النكبة ، وجثمت الكارثة .. نادي المصاب المنكوب : ” يا الله “
إذا أوصدت الأبواب أمام الطالبين ، وأسدلت الستور في وجوه السائلين .. صاحوا : ” يا الله “
إذا بارت الخيل وضاقت السبل وانتهت الٱمال وتقطعت الحبال .. نادوا : ” يا الله “
إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت .. فاهتف : ” يا الله ” }.
– سبحانه إليه يصعد الكلم الطيب ، والدعاء الخالص ، والهاتف الصادق ، والدمع البريء ..
إليه تمد الأكف في الأسحار ، والأيادي في الحاجات ، والأعين في الملمات ، والأسئلة في الحوادث ..
باسمه تشدو الألسن وتستغيث وتلهج وتنادي ، وبذكره تطمئن القلوب ، وتسكن الأرواح ، وتهدأ المشاعر ، وتبرد الأعصاب ، ويثوب الرشد ، ويستقر اليقين .
” الله “
أحسن الأسماء ، وأجمل الحروف ، وأصدق العبارات ، وأثمن الكلمات .
” الله “
ذو الجلال والعظمة ، والهيبة والجبروت .
– مهما رسمنا في جلالك أحرفًا … قدسية تشدو بها الأرواح
فلأنت أعظم والمعاني كلها … يارب عند جلالكم تنداح
– قال ابن كثير رحمه الله : { البسوا معطف الأذكار ؛ ليقيكم شرور الإنس والجن ، ودثروا أرواحكم بالاستغفار ؛ لتمحى لكم ذنوب الليل والنهار ، وإن أصابكم ما تكرهونه ، فسترضون بأنه خير قدره لكم ربكم ؛ لأنكم قد تحصنتم بالله }.
– ومن ثمار الذكر والأذكار : انشراح الصدر ، وطمأنينة القلب ، ومعيّة الله تعالى ، وذكره للعبد في الملأ الأعلى .
– قال تعالى : ” ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ “. (الرعد : 28)
– وقد كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس ذكرًا لله عز وجل ، بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه ، وكان أمره ونهيه وتشريعه ذكرًا منه لله ، وإخباره عن أسماء الرب ، وصفاته ، وأحكامه ، وأفعاله ، ووعده ووعيده ذكرًا له منه ، وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتسبيحه وتحميده ذكرًا له منه ، وسكونه ذكرًا له بقلبه ، فكان ذكره لله يجري مع أنفاسه صلى الله عليه وسلم قائمًا وقاعدًا ، وعلى جنبه ، وفي مشيه ، وركوبه ، وسيره ونزوله وظعنه ، وإقامته ، وكان إذا استيقظ من نومه صلى الله عليه وسلم يقول : ” الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور “. (متفق عليه)
– وقال ابن القيم : الذكر ثلاثة أنواع :
١ – ذكر الأسماء والصفات ومعانيها ، والثناء علي الله بها ، وتوحيد الله بها .
٢ – ذكر الأمر والنهي والحلال والحرام .
٣ – ذكر الآلاء والنعماء ، والإحسان والأيادي .
– وأنه ثلاثة أنواع أيضًا :
١ – ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان ، وهو أعلاها .
٢ – ذكر بالقلب وحده ، وهو في الدرجة الثانية .
٣ – ذكر باللسان المجرد ، وهو في الدرجة الثالثة .
– وذكر العبد لربه محفوف بذكرين له من ربه : ذكر قبله ، صار به العبد ذاكرًا له ، وذكر صار به العبد مذكورًا ؛ كما قال الله تعالى : ” فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ “. (البقرة : 152)
وقال فيما يروي عنه نبيه صلى الله عليه وسلم : ” من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم “.
– وما أجمل قول أحد الصالحين : { اغسلوا وجوهكم بدموعكم ، وألسنتكم بذكر الله }.
– ولله در القائل : { وإذا هممت بالقول الباطل ، فاجعل مكانه تسبيحًا }.
- وأفضل وأعظم الذكر القرآن الكريم .
– قال تعالى : ” إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا “. (الإسراء : 9)
– فعلى قدر إقبالك على القرآن تأتيك الفتوحات ، وتحل عليك البركات ، وتتنزل عليك الرحمات ، حتى تجد في صدرك الطمأنينة والراحة ، وتزول عنك الاضطرابات والأوهام .. كلما أكثرت منه ؛ زادت عليك الخيرات .. وكلما أسرعت في البداية به ؛ رأيت الهبات.
وهذه أسرار ملازمة القرآن فالزمها .
– فاللهم اجعلنا من الذاكرين لك كثيرًا والذاكرات ، وأذهب عنا الحزن ، وأزل عنا الهم ، واطرد من نفوسنا القلق .
نعوذ بك من الخوف إلا منك ، والركون إلا إليك ، والتوكل إلا عليك ، والسؤال إلا منك ، والاستعانة إلا بك ، أنت ولينا ، فنعم الولى ونعم النصير .
– وللذكر أنواعٌ شتى :
فالصلاة ذكر ، والقرآن ذكر ، والاستغفار ذكر ، والدعاء ذكر .
– وحري بنا أن نجعل لكل نوع من هذه الأذكار مقالًا منفردًا .. ولَيتَه يكفي .
فإلى لقاء بإذن الله تعالى .