دفاع عن النبي -صلي الله عليه وسلم- :
يحكي العقاد في كتابه ( عبقرية محمد ) هذه القصة التي ذكرها في مقدمة الكتاب ، قال فيها : ” يعلم الكثيرون بين قراء العربية صاحب كتاب ” الأبطال ” ( توماس كارليل ) الذي عقد فيه فصلًا عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وجعله نموذج البطولة بين أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل .
وإنا لنتذاكر آراءه ومواضع ثنائه على النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ بدرت من أحد الحاضرين الغرباء عن الرهط كلمة نابية عضبنا لها واستنكرناها لما فيها من سوء الأدب وسوء الذوق وسوء الطوية . وكان الفتى الذي بدرت منه الكلمة متحذلقًا ، يتظاهر بالمعرفة ، ويحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الاطلاع على الفلسفة والعلوم الحديثة .. فكان مما قاله شيء عن النبي والزواج وشيء عن البطولة ، فحواه أن بطولة محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي بطولة سيف ودماء !
قلت : ” ويحك ! .. ما سَوَّغ أحد السيف كما سوغته أنت بهذه المقولة النابية ! “.
وقال صديقنا المازني : ” بل السيف أكرم من هذا ، وإنما سَوَّغ صاحبنا شيئًا آخر يستحقه .. وأشار إلى قدمه ! “.
وارتفعت لهجة النقاش هنيهة ، ثم هدأت بخروج الفتى صاحب الكلمة من النَّدِي ( والندي : مجلس القوم ومجتمعهم ، وهو أيضًا : القوم المجتمعون للبحث والمشاورة ) واعتذاره قبل خروجه بتفسير كلامه على معنى مقبول ، أو خُيِّل إليه أنه مقبول .
وتساءلنا : ما بالنا نقنع بتمجيد ” كارليل ” للنبي ، وهو كاتب غربي لا يفهمه كما نفهمه ، ولا يعرف الإسلام كما نعرفه .. ثم سألني بعض الإخوان : ” ما بالك أنت يا فلان لا تضع لقراء العربية كتابًا عن محمد صلى الله عليه وسلم على النمط الحديث ؟ “
قلت : ” أفعل .. وأرجو أن يتم ذلك في وقت قريب “.
ولكنه لم يتم في وقت قريب .. بل تم بعد ثلاثين سنة ! “. (انتهى)
الأستاذ الكبير لم يقل ” إن شاء الله ” فتأخر ثلاثين سنة ، ولكنه للأمانة قدَّم نموذجًا مجيدًا في الدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الماتع ( عبقرية محمد ) ، وقال العقاد عن الكتاب في المقدمة : ” كتبناه ونحن نستحضر في الذهن تبرئة المقام المحمدي من تلك الأقاويل التي يلغط بها الأغراء والجهلاء عن حذلقة أو سوء نية ، ونظرنا اتفاقًا ، فإذا بأطول الفصول فيه الفصلان اللذان شرحنا فيهما موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الحرب ومن الحياة الزوجية ؛ لأنهما كانا مثار اللغط تلك الليلة على مقربة من ساحة المولد ، وكانا مثار اللغط في كل ما ردده سفهاء الشانئين من الأصلاء والمقتدين في هذا الباب “.