خلق آدم

خلق آدم :

قال الله تعالى : ” وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا “. (الفرقان : 54)

ذكرت الآية الكريمة عنصر الماء ، في حين ذكرت آية أخرى عنصر التراب في قوله تعالى : ” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ “. (آل عمران : 59)

فصريح الآية أنّ أبا البشر آدم عليه السلام خُلق من تراب ، وها هو رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الوداع : ” … كلكم لآدم ، وآدم من تراب “.

وهذه آية أخرى تتحدث عن خلق آدم فتذكر أنّه خُلق من طين ، وذلك قوله تعالى : ” إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ “. (ص : 71)

ووردت آيات أخرى أنّه خُلق من صلصالٍ كالفخار قال تعالى : ” خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ “. (الرحمن : 14)

والمتأمل في هذه الآيات التي ذكرت عناصر الخلق ، يلحظ فيها الإشارة إلى مراحل الخلق والتكوين ، لقد بدأ الحديث عن الخلق بذكر التراب ؛ لأنّ التراب أول هذه العناصر ، وأبعدها عن الحياة ، وفي هذا إظهار لقدرة الله تعالى العجيبة .

العنصر الثاني هو الماء ، وهو عنصر رئيس في التكوين ، وأكثر هذه العناصر وجودًا في الجسم ، إذا أضيف الماء إلى التراب صار طينًا ، وهو العنصر الثالث في الخلق ، وفيه الإشارة إلى مرحلةٍ جديدة من مراحل الخلق ، حين أصبحَ طينًا جامدًا يابسًا وهو ما يُسمّى بالصلصال .

جاء في لسان العرب : الصلصال الطين اليابس الذي يصلُ من يبسه أي يصوت .
وفي التنزيل العزيز ” من صلصال كالفخار “.
قال : هو صلصال ما لم تصبه النار ، فإذا مسته النار فهو حينئذ فخار .

– مراحل خلق آدم :

تبين من الآيات السابقة عدم وجود تعارض -كما يقول أعداء الإسلام- ؛ بل هي ذِكر مراحل خَلْق آدم عليه السلام ، وبذلك تكون هذه العناصر : التراب ، الماء ، النار ، قد اجتمعت في خلق آدم ، ويبرز من اجتماعها مراحل الخلق ، التراب ، ثم الماء ثم الطين المتكون منهما ثم الفخار الناتج عن تدخل عنصر النار وتأثيره في الطين حتى صارَ على هيئته .

ويقول الدكتور علي أبو هاشم :

إعجاز القرآن في إخباره بمراحل خلق الإنسان ، ونقصد هنا بالمراحل الأولى التي خلق الله تعالى منها آدم عليه السلام ، ذكر القرآن مراحل خلق الإنسان ( آدم عليه السلام ).

– المرحلة الأولى :

يقول تعالى ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ “. (الروم : 20)

قال المفسرون : المقصود به آدم عليه السلام ، يعني خلق أصلكم آدم من التراب ، ويقول تعالى : ” وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا “. (فاطر : 11)

وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل خلق الإنسان ، وعند تتبع هذه الآيات والسور التي نزلت فيها نرى أنها كلها مكية ، ويدل ذلك على اهتمام القرآن ببيان هذه الحقيقة التي تتصل بأصل الإنسان ، وهذه الحقيقة تدحض ما وصل إليه دارون فيما سماه نظرية النشوء والارتقاء ، وتبين مدى جهله وعبثه ، وأكدت الأبحاث العلمية أن العناصر التي يتكون منها جسم الإنسان هي نفس العناصر الموجودة في التربة مثل المغنسيوم ، والبوتاسيوم ، والحديد …إلخ ، وكلها عناصر في التربة ؛ ولذا فإن جسم الإنسان يتحلل في التراب بعد دفنه فيه ، يقول تعالى : ”  أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتًا “. (المرسلات : 25-26)

ويقول تعالى : ” يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ “. (الحج : 5)

ووجه الاستدلال أنه كما خلق الله الإنسان من تراب ، فإنه تعالى قادر على أن يعيده من التراب مرة ثانية يوم البعث ، يوم يقوم الناس لرب العالمين ، كما تؤكد الآية أولى مراحل خلق الإنسان ، وبهذا يتضح فساد وبطلان ما ذهب إليه دارون ، وهذا من الإعجاز الخبري في القرآن ، حيث أخبر القرآن بغيب الماضي وغيب الحاضر وغيب المستقبل ، وكلها أدلة متجددة على صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم .

ومعجزات ثابتة لا تتغير بتغير الزمان ، بل تزداد ثباتًا ويقينًا ، فهل من مدكر ، يقول تعالى : ” لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ “. (الأنعام : 19)

قال النسفي وغيره : من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدًا ، وورد في السنة ما يدل على أن أولى مراحل خلق الإنسان من تراب ، روى الترمذي وأحمد وغيرهما عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك ، والسهل والحزن والخبيث والطيب ». (صححه الألباني والترمذي)

وهذا الحديث يدل دلالة قاطعة على أولى مراحل خلق الإنسان من التراب ، وأن ألوان الناس وأحوالهم بحسب لون التراب ، وهذه هي المرحلة الأولى .

ندعوكم لقراءة : مراحل خلق الإنسان

– المرحلة الثانية :

كما ذكرها الله تعالى في القرآن ، فهي مرحلة الطين ، وذلك بعد أن وضع الماء على التراب فأصبح طينًا ، يقول تعالى : ” هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ “. (الأنعام : 2)

ويقول تعالى : ” فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ “. (الصافات : 11)

ويقول تعالى : ” إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ “. (ص : 71)

إن الماء وهو أصل الحياة ، والذي يشكل حوالي 70% من جسم الإنسان ، ومن مساحة الأرض أيضًا .

يقول تعالى : ” وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ “. (الأنبياء : 30)

وورد في السنة ما يوضح ذلك ومنه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طينًا ، ثم تركه حتى إذا كان حمأ مسنونًا خلقه وصوره ، ثم تركه حتى إذا كان صلصالًا كالفخار … ». (رواه أبو يعلى في مسنده)

فقول الرسول صلى الله عليه وسلم ثم جعله طينًا ؛ أي بعد خلطه بالماء كما بَيَّنَّاه آنفًا ، وهي المرحلة الثانية من مراحل خلق آدم عليه السلام ، ويقول تعالى : ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ  “. (المؤمنون : 12-13)

والسلالة ما يستل من الشيء ويؤخذ منه ، والمقصود أن خلق آدم أُخذ من الطين .

يقول الشيخ حسنين مخلوف : سلالة هي خلاصة مائية مكونة من الغذاء ، وقال قتادة : استل آدم من طين ؛ أي أُخذ من الطين .

ربما يتصور البعض أو يظن أن في القرآن تناقضًا ؛ لأن في القرآن آيات تتكلم عن خلق الإنسان تارة من تراب ، وأخرى من طين ، وثالثة من صلصال من حمأ مسنون ، فمِن أيها خُلق آدم عليه السلام ؟

ونوضح أولًا ونؤكد أنه ليس في القرآن تناقض ولا اختلاف أبدًا .
يقول تعالى : ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَافًا كَثِيرًا “. (النساء : 82)

القرآن يفسر بعضه بعضًا ويوضح بعضه بعضًا ، وهذه هي مراحل خلق الإنسان ، فلا يمكن فصلها عن بعضها ، وقد عقد الإمام الزركشي في كتابه البرهان فصلًا سماه موهم الاختلاف والتناقض ، ذكر فيه الآيات التي يتوهم فيها البعض الاختلاف والتناقض لعدم إلمامه بقواعد التفسير ، وكذا عقد الإمام السيوطي فصلًا في الإتقان .

– المرحلة الثالثة :

مرحلة الصلصال والحمأ المسنون .

– المرحلة الرابعة :

مرحلة نفخ الروح .

– سجود الملائكة لآدم :

قال الله الملك الحق :

” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين “. (البقرة : 34)

يبين الله تعالى أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تقدير واحترام ، فسجدوا مسارعين لامتثال أمر الله ، إلا ما كان من إبليس الذي كان من الجن ، فامتنع اعتراضًا على أمر الله له بالسجود وتكَبُّرًا على آدم ، فصار بذلك من الكافرين بالله تعالى .

وقال عز من قائل :

” وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ “. (الأعراف : 11)

ولقد أنشأنا -أيها الناس- أباكم آدم ، ثم صوَّرناه في أحسن صورة ، وأحسن تقويم ، ثم أَمَرْنا الملائكة بالسجود إكرامًا له ، فامتثلوا وسجدوا ، إلا إبليس أبى أن يسجد تكبرًا وعنادًا .

– خلق آدم على صورته :

روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن “.

Exit mobile version