المال زينة

المال زينة :

قال الله الملك الحق :

” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا “. ﴿الكهف : 46﴾

وفي الحديث المتفق عليه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
“ لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ”.

وفي صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مَـخِيلة ”.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كلْ ما شئتَ والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان : سَرَفٌ أو مَـخِيلة .
والمخيلة هي حب الظهور بمظاهر الغنى والتفوق والأفضلية ، سواء في اللباس أو الطعام والشراب أو الأثاث ، أو غيرها من المظاهر والمقتنيات الاستهلاكية .
فهي تدفع إلى الإسراف والتباهي ، ولو بشكل غير معلن .

المال نعمة من نِعَم الله على عباده .. ونِعَم الله كلها تستحق منا التقدير والاحترام والعناية والرعاية .
وقد أجمع العلماء على أن “ حفظ المال ” هو أحد الضروريات الخمس الكبرى ، التي عليها مدار الشريعة ومقاصدِها .

المال في الإسلام ركن من أركان الدين ، كما هو ركن من أركان الدنيا .. أما كونه من أركان الدنيا فأمر يعرفه الجميع ولا يجادل فيه أحد ، وقد قالوا : المال قِوام الأعمال ، والمال قوام الحياة .. وهو معنى مذكور في قوله تعالى : ” وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا “. (النساء : 5)
وأما كونه من أركان الدين فيتجلى أولًا في الركن الثالث من أركان الإسلام ، وهو ركن الزكاة .
والزكاة مال وعبادة مالية ، وركن مالـيٌّ من أركان الإسلام .

مَنْ كَانَ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ تَعَلَّمَتْ … شَفَتاهُ أَنْواعَ الكَلامِ فَقَالا

وَتَقَدَّمَ الفُصَحاءُ فَاسْتَمَعوا له … وَرَأَيْتَهُ بَيْنَ الوَرى مُخْتالا

لولا دَراهِمُهُ الَّتي فِي كِيسِهِ … لَرَأَيْتَهُ شَرَّ البَرِيَّةِ حالا

إِنَّ الغَنيَّ إِذا تَكَلَّمَ كَاذِبًا … قَالوا صَدَقْتَ وَما نَطَقْتَ مُحالا

وَإِذا الفقيرُ أَصابَ قالوا لَمْ تُصِبْ … وَكَذَبْتَ يا هذا وَقُلْتَ ضلالا

إِنَّ الدَّراهِمَ فِي المَواطِنِ كُلّها … تَكْسُو الرِّجَالَ مَهابَةً وجَلالا

فَهْيَ اللِّسانُ لِمنْ أَرادَ فَصاحةً … وَهْيَ السِّلاحُ لِمَنْ أَرادَ قِتالا

حب المال يكون مذمومًا إذا حمل صاحبه على اكتسابه من الحرام ، وإذا شغله عن طاعة الله تعالى ، واكتنزه الإنسان ، ولم يؤد فيه حق الله تعالى ، ففي صحيح مسلم ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
” إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بحقه ، ووضعه في حقه ، فنعم المعونة هو ، ومن أخذه بغير حقه ، كان كالذي يأكل ولا يشبع”.

المَالُ مَالُ اللهِ ، وَالمَالِكُ الحَقِيقِيُّ لَهُ هُوَ اللهُ ، وَأَمَّا وُجُودُهُ بِأَيدِي النَّاسِ وَمُلكُهُم لَهُ ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ وَدَائِعَ وَأَمَانَاتٍ استُخلِفُوا فِيهَا ، لا لِيَتَصَرَّفُوا فِيهَا تَصَرُّفًا مُطلَقًا وَحَسبَمَا يَتَشَهَّونَ ، وَلَكِنْ لِيَنتَفِعُوا بها وَيَستَعمِلُوهَا وِفقَ مَا شُرِعَ لهم ، بِالكَسبِ الحَلالِ وَالاستِثمَارِ الحَلالِ ، ثم الإِنفَاقِ الرَّشِيدِ وَإِعطَاءِ كُلِّ ذَي حَقٍّ حَقَّهُ ، وُصُولًا إِلى تَحقِيقِ مَصلَحَتِهِم وَمَصلَحَةِ مُجتَمَعَاتِهِم ، وَبُلُوغًا لِسَعَادَتِهِم وَسَعَادَةِ مَن حَولَهُم ، قَالَ تَعَالى : ” آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ “. (الحديد : 7)

ندعوكم لقراءة : الطيب والخبيث

” اللهم إنى أعوذ بك من شتات القلب ” ، وحين سأله أصحابه وما شتات القلب قال : أنْ يكون لِى فى كل وادٍ مال .

السعادة لا تُنال إلا بثلاث وسائل في الدنيا ، وهي الفضائل النفسية كالعلم وحسن الخلق ، والفضائل البدنية كالصحة والسلامة ، والفضائل الخارجة عن البدن كالمال وسائر الأسباب .. وأعلاها النفسية ثم البدنية ثم الخارجة .

فالخارجة أخسها والمال من جملة الخارجات وأدناها الدراهم والدنانير فإنهما خادمان ولا خادم لهما ومرادان لغيرهما ، ولا يرادان لذاتهما إذ النفس هي الجوهر النفيس المطلوب سعادتها وأنها تخدم العلم والمعرفة ومكارم الأخلاق لتحصلها صفة في ذاتها .

والبدن يخدم النفس بواسطة الحواس والأعضاء والمطاعم والملابس تخدم البدن ، وقد سبق أن المقصود من المطاعم إبقاء البدن ومن المناكح إبقاء النسل ومن البدن تمكيل النفس وتزكيتها وتزيينها بالعلم والخلق .

ومن عرف هذا الترتيب فقد عرف قدر المال ووجه شرفه وأنه من حيث هو ضرورة المطاعم والملابس التي هي ضرورة بقاء البدن الذي هو ضرورة كمال النفس الذي هو خير ، ومن عرف فائدة الشيء وغايته ومقصده واستعمله لتلك الغاية ملتفتًا إليها غير ناس لها فقد أحسن وانتفع وكان ما حصل له الغرض محمودًا في حقه .

إذًا المال آلة ووسيلة إلى مقصود صحيح ويصلح أن يتخذ آلة ووسيلة إلى مقاصد فاسدة وهي المقاصد الصادة عن سعادة الآخرة وتسد سبيل العلم والعمل فهو إذن محمود مذموم ؛ محمود بالإضافة إلى المقصد المحمود ومذموم بالإضافة إلى المقصد المذموم .

فمن أخذ من الدنيا أكثر مما يكفيه فقد أخذ حتفه وهو لا يشعر .

حديث ” اللهم اجعل قوت آل محمد كفافًا ” ، متفق عليه من حديث أبي هريرة .

وحديث ” تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم “.

الحديث أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ولم يقل وانتفش وإنما علق آخره بلفظ تعس وانتكس ووصل ذلك ابن ماجه والحاكم .

وقال كذلك : اعلم أن المال مثل حية فيها سم وترياق ، ففوائده ترياقه وغوائله سمومه ، فمن عرف غوائله وفوائده أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ شَرِّهِ وَيَسْتَدِرَّ مِنْ خيره .

أبو بكر حبا فى الله مالا … وكــان لســانــه يــجــرى بــلالا

لقـد واسـى النـبـى بـكـل خيرٍ … وأعــطــى مــن ذخــائره بــلالا

لو أن البحر ناقضه اعتقادًا … لمــا أعــطـى الإله له بـلالا

” وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى * ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ * إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ * وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ “. (الليل : 17-21)

قال القرطبي رحمه الله : والأكثر أن السورة نزلت في أبي بكر رضي الله عنه .

Exit mobile version