البعوضة :
الخَلق من الذرات إلى المجرات ، تشهد بعظمة وقدرة ووحدانية الله خالق الأرض والسماوات .
وهو سبحانه خالق كل المخلوقات ؛ من جبال وبحار وأنهار ومحيطات ، وإنس وجن وحيوان ونبات ، وشمس وقمر ونجوم ومجرات .
إلى أصغر المخلوقات كالحشرات ، ثم الميكروبات .
– بعوضة وما فوقها :
قال الله الملك الحق :
” إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا ٱلْفَـٰسِقِينَ “. (البقرة : 26)
– حياء الملك عز وجل :
يقول العلامة ابن باز رحمه الله :
على ظاهر الآية ..
إن الله لا يستحي ، الحياء يوصف به الرب جل وعلا ، كما في الحديث : ” إن ربكم حيي كريم ” ، وفي الحديث الآخر : أن ثلاثةً دخلوا المسجد والنبي ﷺ يذكر الناس ، فجاء أحدهم فجلس في الحلقة يستمع ، والثاني جلس خلفها ، والثالث خرج ، فلما فرغ النبي من حديثه عليه الصلاة والسلام ، قال : ” ألا أنبئكم بشأن الثلاثة ؟ ” ، قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : ” أما أحدهم فآوى فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه “. (متفق على صحته)
فالمعنى أنه يوصف ربنا بالحياء على الوجه الذي يليق به ، هي ليس من جنس حيائنا ، حياء الله يليق به ، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى ، مثلما نصفه بأنه يضحك ، ويغضب ، ويرضى ، ويرحم ، ويحب ، ويكره ، كل ذلك على الوجه الذي يليق به سبحانه : ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ “. (البقرة : 222)
” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ “. (الممتحنة : 8)
” إن الله يرضى لكم ثلاثًا ، يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة ” ، إلى أحاديث أخرى .
فالمقصود أن الله جل وعلا موصوف بالصفات التي أخبر بها عن نفسه ، أو أخبر بها رسوله عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة ، لكن على الوجه اللائق بالله ، نمرها كما جاءت كما قال أهل السنة والجماعة ، نمرها كما جاءت مع الإيمان بها واعتقاد أنها حق ، وأنها تليق بالله لا يشابه فيها خلقه سبحانه وتعالى ، كما قال عز وجل : ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ “. (الإخلاص : 1-4)
وقال سبحانه : ” لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ “. (الشورى : 11)
وقال سبحانه : ” فلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ “. (النحل : 74)
– سبب النزول :
أما سبب نزول هذه الآيات فقد رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما ذكر الله آلهة المشركين فقال : ” وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ “. (الحج : 73)
وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت ، قالوا : أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد ، أي شيء يصنع ؟ فأنزل الله الآية .
وقال الحسن وقتادة : لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه وضرب للمشركين به المثل ، ضحكت اليهود وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله ، فأنزل الله الآية .
فهذه الآيات تدلنا إلى أن جميع مخلوقات الله سبحانه من أصغرها إلى أكبرها هي آية دالة على الله وإن بدت تافهة ؛ فقد أودع الله سبحانه فيها من آياته وقدرته ما تتحير بها العقول ، فالله سبحانه و تعالى في هذه الآيات لا يستحي أن يضرب مثلًا بالبعوضة التي قد يعتبرها بعض الجهال مخلوقًا تافهًا ، لكن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا بها ؛ وذلك ليدلنا على آيات عظمة خلق البعوضة .
– البعوضيات :
فصيلة من الحشرات من رتبة ذوات الجناحين تتغذى إناثها على دم الإنسان وأكثر الحشرات الماصة للدماء انتشارًا ، ويسبب المضايقة بلدغاته المتكررة ، وينقل العديد من الأمراض منها الملاريا ، كما يتغذى البعوض أيضًا على دم الحيوانات والطيور .
أنثى البعوضيات هي وحدها التي تتغذى على الدم ؛ لأنه ضروري لنضج البيوض ، في حين أن الذكر يتغذى على عصارة النباتات ، ومزود بأجزاء دقيقة تساعد على ثقب الجلد وامتصاص الدم ( اللسان الثاقب الماص ).
– جائزة نوبل و روس :
حصل رونالد روس عالم الجراثيم في عالم 1902م على جائزة نوبل للعلوم .. أتعلمون لماذا ؟
لأنه درس نوعًا من أنواع البعوض وهو Anopheles ، واكتشف أنها تقوم بنقل مرض الملاريا الذي كان يفتك بعشرات الآلاف من الناس كل عام .
ألا يستحق هذا المخلوق الصغير أن يضرب الله سبحانه وتعالى به المثل ؟!
– قوة البعوض :
قالت الدكتورة مارجريت همفريز مؤرخة العلوم :
{ إن المجازر البشرية التي أحدثتها الحمى الصفراء ( التي ينقلها البعوض ) تكاد تكون هي وحدها التي عجلت بإنشاء المؤسسة الصحية العامة المهمة في الولايات المتحدة ومنها هيئة الصحة العامة الأمريكية ! }.
ويقول عالم الحشرات الأمريكي أندرو سبليمان في كتاب له :
{ لا يوجد كائن حي على وجه الأرض كالبعوض مَسَّ حياة مثل هذا العدد الهائل من البشر }.
ولقد ثبت علميًّا أن مرض الحمى الصفراء وهو مرض فيروسي ينتقل بواسطة بعوضة تسمى ( Aedes aegypti ) يدمر الفيروس الكثير من أنسجة الجسم ؛ وخاصة الكبد والكليتين ، ولقد تسبب هذا المرض في موت عشرات الملايين خلال العقود الماضية !
وفي عام 1793م تُوفي في ولاية فيلادلفيا بسبب انتشار الحمى الصفراء عدة آلاف من الناس .
ولقد فَرَّ الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن من المدينة بسبب ذلك ( فر من بعوضة ).
وقتل هذا المرض ما بين مائة إلى مائة وخمسين ألف شخص في أمريكا الشمالية ذلك العام .
في أثناء الحرب الأمريكية الإسبانية ( 1898-1901م ) حدثت مواجهة مباشرة بين الأسطول الإسباني والأسطول الأمريكي في جزيرة كوبا عام 1898م وتمت عملية إنزال بري أمريكي على الأراضي الكوبية ، فكان النصر حليف القوات الأمريكية التي قتلت حوالي 500 جندي إسباني مقابل خسارة جندي أمريكي واحد ، وعلى الرغم من هذا النصر الكبير خسرت القوات الأمريكية حوالي 5000 جندي أمريكي بسبب انتشار مرض الحمى الصفراء والملاريا بين الجنود ، والتي نقلها إليهم البعوض .
فتأملوا ، يرحمكم الله ، كيف أن القوات الأمريكية هزمت أعداءها ، ولكن لم تصمد أمام هجمات البعوض .
– المثل في البعوضة :
لما ضرب الله مثلًا في البعوضة ، تعجب الكافرون وقالوا : كيف يليق بخالق الكون أن يضرب مثلًا بحشرة صغيرة ، قال تعالى :
” وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلًا “.
فبعد مرور أربعة عشر قرنًا من الزمان ، تظهر المفاجأة الكبرى والآية العظمى في البعوضة :
- فالبعوضة أنثى لها أعين ؛ تتألف الواحدة منها من نحو ثلاثة آلاف عيينة ( تصغير عين ) مستقلة تشريحيًّا ، ومتكاملة وظيفيًّا ؛ مما يعطيها مجالًا بصريًّا أوسع كثيرًا من المجال البصري لنا معشر البشر ، خاصةً بالنسبة للرؤية الليلية !
- لها 48 سنًّا في فمها !
- لها ثلاثة قلوب كاملة في جوفها !
- لها ست سكاكين في خرطومها ولكل واحدة منها وظيفتها ؛ من قطعٍ ، وفصلٍ ، ونشرٍ ، وبترٍ ، وغير ذلك !
- لها جناحان معرفان تعريفًا مميزًا كأنه البصمة لنا !
- مزودة بجهاز حرارة يعمل مثل نظام الأشعة تحت الحمراء ويعكس لها لون الجلد البشري في الظلمة إلى لون بنفسجي مثل أنظمة الرؤية الليلية التي يستعملها الجنود !
- مزودة بجهاز تخدير موضعي يساعدها علـــى غرز إبرتها في جسم الإنسان دون أن يشعر الإنسان بها !
وما يشعر الإنسان به كالقرصة إنما هو نتيجة حمض معين تصبه من خرطومها على مكان اللسع حتى لا يتجلط الدم ، ويظل حارًا متدفقًا ! - مزودة بجهاز لتحليل الدم فهي لا تستسيغ أية دماء !
- مزودة بجهاز لتمييع الدم وتسييله حتى يسري في خرطومها الدقيق جدًّا أثناء عملية المص !
- مزودة بجهاز للشم في غاية الكفاءة تستطيع من خلاله شم رائحة عرق الإنسان على بُعد 60 قدمًا !
- وأغرب من هذا كله ، فإن العلم الحديث اكتشف أن هناك حشرة صغيرة جدًّا تعيش فوق ظهر البعوضة لا تُرى إلا بالمجهر !
يا خالق الخلق كله .. سبحانك .
– صدق الزمخشري حين قال :
يا من يرى مد البعوض جناحه … في ظلـمة الليل البهيم الأَلْيَلِ
ويرى منـاط عروقه في نحره … والمخ من تلك العروق النُّحَـلِ
ويرى خرير الدم في أوصاله … متنقلًا من مِفـصَلٍ في مفصلِ
ويرى ويسمع حس ما هو دونها … في قـاع بحرٍ مظلمٍ مُتَهَـوِّلِ