أين أنت يا أبي ؟
يحكي الدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله ، فيقول :
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﻳﻨﺤﻨﻮﻥ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻦ ﺃﻣﻬﻢ ، ﻭﻻ ﻳﻨﺤﻨﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻤﻴﻦ ﺣﻴﺚ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﺑﺤﺜًﺎ ﻋﻨّﻲ ، ﺭﻏﻢ ﺃﻥ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ .
ﻻ ﺃﺗﻮﻗّﻒ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ « ﺍﻟﺘﻄﻨﻴﺶ ».
ﺃﺣﻴﺎﻧًﺎ ﺃﺳﻤﻊ ﺃﻣﻬﻢ ﺗﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ :
هل ﺳﻠﻤﺘم ﻋﻠﻰ ﺃبيكم ؟
ﺭﻭﺣﻮﺍ ﺳَﻠِّﻤﻮﺍ .
ﺑﻴﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﻠﺐ ﻭﺗﻨﻔﻴﺬﻩ ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺭﺑﻊ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﻒ ﺳﺎﻋﺔ ، ﻭﻻ ﺃﺗﻮﻗﻒ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ « ﺍﻟﺘﻄﻨﻴﺶ » ﺃﻳﻀًﺎ ؛ ﻓﺎﻟﺪﻧﻴﺎ ﺯﺣﻤﺔ ، ﻭﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻤﺆﺩﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ ﺇﻟﻰ ﻏﺮﻓﺘﻲ ﺗﺸﻬﺪ ﺍﺯﺩﺣﺎﻣًﺎ ﻣﺮﻭﺭﻳًّﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ، ﻭﻗﺪ ﻳﺴﺘﻐﺮﻕ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻲّ ﻭﻗﺘًﺎ ﺃﻃﻮﻝ !
ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻳﺼﻠﻮﻥ ﻧﺤﻮﻱ ﻓﺮﺍﺩﻯ ، ﻭﺳﻼﻡ ﻭﺗﺤﻴﺔ ﺑﺎﺭﺩﺓ !!
ﺍلأﺳﺒﻮﻉ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ، ﻭﻓﻮﺭ ﻭﺻﻮﻝ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ، ﺧﺮﺟﺖ ﺑﺎﻟﺼﺪﻓﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺒﻲ ﻓﻮﺟﺪﺗﻪ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺒﺦ ﻳﻬﻢّ ﺑﻤﻨﺎﻭﻟﺔ « ﺍﻟﺴﺖ ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﺓ » ﺷﻴﺌًﺎ ﻣﺎ ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺁﻧﻲ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻭﺃﺧﻔﺎﻩ ﺧﻠﻒ ﻇﻬﺮﻩ ، ﻓﺄﻛﻤﻠﺖ ﻃﺮﻳﻘﻲ ﺩﻭﻥ ﺍﻧﺘﺒﺎﻩ .
ﻭﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﻮﺩﺓ ﺿﺒﻄﺘﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﻀﻊ ﺑﻔﻤﻬﺎ ﻗﺎﻟﺐ ﺷﻮﻛﻮﻻﺗﺔ ﻓﺎﺧﺮًﺍ ﻗﺪ ﺍﺷﺘﺮﺍﻩ ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﺼﺮﻭﻓﻪ ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺁﻧﻲ ﺧﺠﻞ ﻣﻨﻲ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ !!
ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺛﻮﺍﻥٍ ﺣﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺟﻴﺐ ﺑﻨﻄﺎﻟﻪ « ﺍﻟﺠﻴﻨﺰ » ﻗﻄﻌﺔ ﺣﻠﻮﻯ « ﻛﺮﻣﻠﺔ » ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻠﺘﺼﻘﺔ ﻓﻲ ﻗﻌﺮ ﺍﻟﺠﻴﺐ ، وﺑﺎﻟﻜﺎﺩ ﺃﺧﺮﺟﻬﺎ ، ﻭﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﻗﻄﻊ ﻣﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﻮﺭﻕ ﻣﺤﺎولًا ﺇﻫﺪﺍﺋﻲ ﺇﻳﺎﻫﺎ ؛ ﻓﺸﻜﺮﺗﻪ !!
ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺗﻮﻗﻒ ﻛﺜﻴﺮًﺍ أمام ﻫﺬﺍ « ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻱ » ، ﺻﺤﻴﺢ ﺍﻟﺸﻮﻛﻮﻻﺗﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺷﺘﺮﺍﻫﺎ ﻷﻣﻪ ﻟﺬﻳﺬﺓ ﺟﺪًّﺍ ، ﻟﻜﻨﻨﻲ ﻻ ﺃﻧﺰﻋﺞ ﻣﻦ ﻣﻴﻠﻬﻢ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﻴﻞ ﻧﺤﻮ ﺃﻣﻬﻢ ، ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺎ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻭﺃﻛﺜﺮ !!
ﺭﻏﻢ ﻛﺪّ ﺍﻷﺏ ، ﻭﺳﻔﺮ ﺍﻷﺏ ، ﻭﺗﻌﺐ ﺍﻷﺏ ، ﻭﺣﻨﺎﻥ ﺍﻷﺏ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﻮﺡ ﻳﻜﻮﻥ ﻧﺤﻮ ﺍﻷﻡ ، ﻭﻫﺬﻩ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻓﻄﺮﻳﺔ ﻻ ﻧﺘﺤﻜّﻢ ﻓﻴﻬﺎ !
ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻥ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻻ ﻳﻜﺘﺸﻔﻮﻥ ﺣﺒّﻬﻢ ﺍﻟﺠﺎﺭﻑ ﻵﺑﺎﺋﻬﻢ ﺇﻻ ﻣﺘﺄﺧﺮًﺍ ، ﺇﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ، ﻭﺇﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺸﻬﻴﺔ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ !!
ﻭﻫﺬﺍ ﺣﺐ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﺣﺴﺐ ﺗﻮﻗﻴﺖ ﺍﻷﺑﻮﺓ .
ﺍﻵﻥ ﻛﻠﻤﺎ ﺗُﻬﺖ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺭ ، ﺃﻭ ﺿﺎﻗﺖ ﻋﻠﻲّ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﺃﻭ ﺗﺮﺩﺩﺕ ﻓﻲ ﺣﺴﻢ ﻣﺴﺄﻟﺔ ؛ ﺗﻨﻬّﺪﺕ ﻭﻗﻠﺖ :
« ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺃﺑﻲ ».
– أحمد خالد توفيق :
طبيب وأديب مصري ، ويعتبر أول كاتب عربي في مجال أدب الرعب والأشهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلمي ويلقب بالعراب .
وُلِدَ أحمد خالد توفيق -أو العرّاب كما يُطلق عليه- في 10 يونيو 1962 بمدينة طنطا ، وتخرج في كلية طب طنطا عام 1985 ، وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997 .
انضم عام 1992 للمؤسسة العربية الحديثة وبدأ بكتابة أول سلاسله -ما وراء الطبيعة- في شهر يناير من العام التالي .
نجحت السلسة الرعب نجاحًا كبيرًا رغم عدم انتشار هذا النوع من الأدب في الوطن العربي ، وبدأ في كتابة سلاسل أخرى للمؤسسة نفسها مثل سلسلة سافاري ، وسلسلة فانتازيا ، وسلسلة روايات عالمية للجيب ، غير بعض الأعداد الخاصة وبعض الروايات مثل يوتوبيا ، والسنجة لدور نشر أخرى .
يشتهر أحمد خالد توفيق كذلك بكتابة مقالاتٍ سياسية واجتماعية دورية في العديد من الصحف والمجلات العربية ؛ مثل اليوم الجديد ، والتحرير الإخباري ، وإضاءات ، وبص وطل ؛ كما أنه يحب الترجمة ومن أشهر أعماله الرواية العالمية [ Fight Club ] والتي ترجمها باسم [ نادي القتال ] عن دار ميريت للنشر ، وأعادت دار ليلى نشرها بعدها بعام .
يعتبر أحمد خالد توفيق أديب الشباب الأول في الوطن العربي والذي حبّب الكثير في القراءة برواياته المشوقة وأسلوبه المتميز والساخر ، وشخصياته الفريدة -مثل رفعت إسماعيل- ولقربه من الشباب فكريًا وتواصله الدائم معهم ، كما أن رواياته دائمًا ما تتناول الشعب المصري وما قد يحدث للبلاد في المستقبل .
- المزيد .. لمن يريد :
بدأت رحلته الأدبية مع كتابة سلسلة ما وراء الطبيعة ، ورغم أن أدب الرعب لم يكن سائدًا في ذلك الوقت ، فإن السلسلة حققت نجاحًا كبيرًا ، واستقبالًا جيدًا من الجمهور ؛ ما شجعه على استكمالها ، وأصدر بعدها سلسلة فانتازيا عام 1995 ، وسلسلة سفاري عام 1996 .
في عام 2006 ، أصدر سلسلة دبليو دبليو دبليو .
ألف أحمد توفيق روايات حققت نجاحًا جماهيريًا واسعًا ، وأشهرها رواية يوتوبيا عام 2008 ، وقد تُرجمت إلي عدة لغات ، وأُعيد نشرها في أعوام لاحقة .. وكذلك رواية السنجة التي صُدرت عام 2012 ، ورواية مثل إيكاروس عام 2015 ، ثم رواية في ممر الفئران التي صدرت عام 2016 ، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مثل : قصاصات قابلة للحرق ، وعقل بلا جسد ، والآن نفتح الصندوق ، التي صدرت على ثلاثة أجزاء .
اشتهر أيضًا بالكتابات الصحفية ، فقد انضم عام 2004 إلي مجلة الشباب التي تصدر عن مؤسسة الأهرام ، وكذلك كانت له منشورات عبر جريدة التحرير والعديد من المجلات الأخري .
كان له أيضًا نشاط في الترجمة ، فنشر سلسلة رجفة الخوف ، وهي روايات رعب مُترجمة ، وكذلك ترجم رواية نادي القتال الشهيرة من تأليف تشاك بولانيك ، وكذلك ترجم رواية ديرمافوريا عام 2010 ، وترجم رواية عداء الطائرة الورقية عام 2012 ، وترجم تشي جيفارا : سيرة مصورة عام 2018 .
استمر نشاطه الأدبي مع مزاولته مهنة الطب ، فقد كان عضو هيئة التدريس واستشاري قسم أمراض الباطنة المتوطنة في كلية الطب ( جامعة طنطا ).
تُوفي في 2 أبريل 2018 عن عمر يناهز 55 عامًا ، على إثر أزمة صحية مفاجئة .