أهل البر والإحسان 2

حكايات عصرية لبعض أهل البر والإحسان :

6- المعلم عثمان :

” عثمان أحمد عثمان ” وشهادة الفقر :

كان الجميع ينادونه : يا معلم ، وهو مهندس صغير ، وهو في أعلى المناصب ، فقد كان هذا اللقب حبيبًا إلى قلبه ، كان المعلم أو الكبير يعيش مع العمال في مواقع عملهم ، يأكل معهم ويشرب الشاي ، أو ( يحبس بالشاي ) كما يحب أن يقول ، أما حكاية ( شهادة الفقر ) التي أنقذت مستقبله ، وكانت الباب الذي فتح الطريق أمامه على مصراعيه ليصل وتصل معه ( المقاولون العرب ) إلى ما وصلت إليه من شهرة وخبرة في عالم المقاولات .

ونبدأ الحكاية من البداية :

مات أبوه وهو في الثالثة من عمره وبكل صلابة الرجال وإصرارهم وعزمهم تحملت أمه مسئوليته مع إخوته ، وتولت تربيتهم على أحسن ما يكون ، وضحت بكل شيء .. بالزواج وهي في ربيع العمر وبالحلي وبالبيت وبكل ما ورثته عن عائلتها .. وكانت تتمنى أن ترى عثمان طبيبًا ذائع الصيت ، أما هو فكان يتمنى أن يكون مهندسًا ليعمل بالمقاولات ، عشقه الذي الذي ملأ عليه حياته .. مستقبله الذي تمناه مقاولًا متعلمًا ..

تشرب ذلك من إعجابه بخاله الشيخ محمد حسين .. الذي تعلق بفكره وخواطره .. وتحول الإعجاب إلى رغبة .. إلى الأمل .. إلى هدف سيطر على كل تفكيره واصطدم كل ذلك برغبة أمه في أن يصبح طبيبًا .. لم يكن له أو لأخوته مجرد التفكير في مخالفة أمهم فرغباتها أوامر بقدر ما أعطتهم من حياتها وضحت بالغالي والرخيص وتقدّم إلى كلية الطب وتبخرت كل أحلامه .. لكن الأمل عاش مسيطرًا عليه واستخدم كل الوسائل حتى أقنع أمه بتحويل أوراقه إلى كلية الهندسة وكانت فرصة عمره التي كادت أن تموت في مهدها حين سأله مسجل الكلية أين المصروفات والرسوم المقررة ؟ كم ؟ أربعون جنيهًا .. إنني لم أدفع رسومًا في حياتي بسبب تفوقي ، لكنك لم تحصل على المجموع الذي يعفيك من الرسوم .. وكان إما أن يسدد الأربعين جنيهًا وإما أن يضيع حلمه في الالتحاق بكلية الهندسة .. واسودت الدنيا في وجهه وهمّ بالانصراف يملؤه اليأس ويسيطر عليه الحزن ، لكنه سأل المسجل أليس من حل ؟ أجاب : شهادة فقر ولا غير ذلك ، ما معنى ذلك ؟ ألم تفهم ؟ أريد شهادةً تثبت أنك معدم ، وقال ذلك على مسمع ومشهد من زملاء تقدموا إلى الكلية والمصروفات تملأ أيديهم وجيوبهم ، وكانت صدمة قاسية .. إنها كأس كلها مرارة وعليّ أن أتجرعها حتى لا تتبخر أحلامي وتتطاير آمالي ويحترق مستقبلي أمام عيني .. وسألت عن شهادة الفقر ، وعن كيفية الحصول عليها حتى أعددتها وقدمتها إلى مسجل الكلية الذي قبل أوراقي ، ويسرح ” المعلم ” قليلًا ثم يعاود الحديث إلينا مع فنجان قهوة جديد طلبه لنحتسيه جميعًا : ” صحيح المشكلة انتهت لكن ما حدث ظل فترة طويلة يهز كياني بعنف .. كان إصرارنا على مصارعة الزمن ينسينا الواقع المر الذي نعيشه .. لقمة العيش لا يغري الحصول عليها لكن يرهب الحرمان منها ..

أدركت ولأول مرة -ماذا يعني الفقر- ألم يجدوا جملةً أخرى يعبرون بها عن حالة الذين يعانون من ضيق ذات اليد مثلي سوى شهادة سموها شهادة فقر !! إن هذه التسمية تمثل أبشع صور الفوارق بين الناس .. إن كل ما حققته من نجاح حتى الآن لم يستطع أن يمحو هذا الاسم من ذاكرتي ، لكنه فجر داخلي بركانًا من التحدي والإصرار على تغيير الواقع المر الأليم .. وشهادة الفقر هذه والتي كانت طعنة في كبريائي وهزت كياني علمتني كيف يجب أن يكون التحدي ، وكيف ألقي بالحقد خلف ظهري .. علمتني مبدأً مهمًا كان نبراسًا في حياتي ، أنه ليس هناك على وجه الأرض أقوى من رجل عاش من أجل فكرة “.

7- صاحب موبيكا :

كتب ” الشيخ صالح كامل ” -رجل الأعمال السعودي الشهير- مقالة بجريدة الأخبار تحت عنوان ( رجل أحب لقاء الله ) عن صديقه المصري رجل الأعمال ” فاروق عبد المنعم ” صاحب ( موبيكا ) قال فيه :

” رحم الله أخي وصديقي فاروق عبد المنعم ، ذلك الرجل الذي عاش حياته وسط الزحام وبالزحام ، وَدَّعَهُ الناس إلى مثواه الأخير ، ولم أشهد على قدر ما حضرت عزاءات في جامع عمر مكرم زحامًا كالذي شاهدته بالأمس وأنا أقدم واجبات العزاء في صديقي الطيب الراحل ..

فاروق عبد المنعم .. عرفته منذ حوالي خمسة وثلاثين عامًا ، ومنذ أن عرفته وهو في خير ونعمة من الله .. رجلٌ بالغ الكرم ، ويجمع في بيته ومجلسه الناس من كل الطبقات ، من العالِم حتى العامل ..

وكان من أجمل عاداته في رمضان ، ما كان يقيمه من ولائم السحور في مكاتبه ليزيد من اللحمة الإيمانية والاجتماعية بين ناسه وأصدقائه ..

ولقد أوصى الرجل قبل موته ألا يكون الحزن التقليدي طابع صيوانه ولا دافع عزائه ، فأراد أن تُوزع الحلوى في دار العزاء !!

وطلب أن يكون العزاء شاملًا للرجال والنساء ، تكريمًا لأهل وأصدقاء زوجته ومحبيه ، ولابنه محمد وأولاده وبناته الذين أسأل الله أن يوفقهم جميعًا في حياتهم ، خاصة وقد ترك لهم أبوهم دارًا معمورة بالمحبة عامرة بالإيمان .. لم تكن هذه الجموع التي اعتادت أن تحيط به هي سمتها الوحيدة ، فقد كان للرجل أعمال خير في الخفاء لا يبديها ، ولكنه كان يتقرب بها لله صاحب الفضل والعطاء .. رحمه الله فقد كان لسانًا عفيفًا لا يتكلم عن أحد ولا يغتاب صاحبًا ، ولم يكن يومًا بفضل الله في حاجة لنفاق صديق أو رياء الناس .. وصدق الله القائل : ” وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ” ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون”.

ندعوكم لقراءة : أهل البر والإحسان 1

8- قصة ليمونة :

يحكي الدكتور ” محمد راتب النابلسي ” قصة معبرة عن العطاء يقول : ” أسرة دمشقية من الأسر العربية عندها بيت أثري كبير ؛ داخلي ، وخارجي ، وأرضي ، ووسطاني ، وعلوي ، وفي هذا البيت ليمونة ( يعني شجرة ليمون ) ، يعني حمل غير معقول ، أربعمائة ، خمسمائة حبة كل موسم ..

كل أهل الحي يطرقون الباب ، باللهِ ليمونة ، فتعطيهم صاحبة البيت ، وهي امرأة صالحة متقدمة في السن ، لم تمنع الليمون عن أحد يطلبه أبدًا .. ومرت الأيام وتوفيت هذه السيدة الصالحة .. وحلت محلها زوجة ابنها ، ومع أول طارق قالت له : لا يوجد عندنا ليمون .. وبعد حين يبست الليمونة “.

ويقول الدكتور المعلم : ” هذا مَثَل صارخ ، واضح ؛ إن أعطيت يعطيك ، وإن منعت يمنع عنك .. إن عاونت هناك من يعاونك ، وإن لم تعاون لا أحد يعاونك .. ترحم هناك من يرحمك ، لا ترحم لا أحد يرحمك “.

9- بنك دم متنقل :

” إنكم لن تَسَعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحُسن الخلق ” أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البزار ، وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب .

وصاحب هذه القصة يسع الناس ببسط الوجه ، كما يسعهم بدمه .. وإليكم قصته :

يطلق عليه أهالي الفيوم { بنك الدم المتنقل } يلجأ إليه الجميع لتوفير ما يحتاجونه ولا يتردد أبدًا في خدمة الجميع ، ووصل الأمر إلى أنه كان يتبرع 5 مرات في الأسبوع بدمائه ؛ لمساعدة مرضى يواجهون الشدائد ، ولم يبخل في أي مرة بأن يعطي مما أعطاه الله من الدماء ، فهو حالة نادرة لتجدد الدماء ، وما زال منذ 25 سنة يداوم على التبرع في المستشفيات والمراكز الطبية المختلفة ، ويقدَّر ما تم جمعه منه حتى الآن نحو 10 آلاف لتر دم ، أكثرها مثبت في الأوراق الرسمية وهو ما تسبب في شهرته ليس فقط في قريته ( دفنو ) التابعة لمركز ( إطسا ) بل إلى العديد من المحافظات .

يقول لنا صاحب الدم الوفير ” يحيى حسن عبد الغني ” 55 سنة : ” إنه اكتشف أن فصيلة دمه [ O ] سالب وهي صالحة للتبرع لأي فصيلة أخرى وذلك عندما تعرض أحد أصدقائه لحادث وكان يحتاج إلى نقل دم ، وعقب تبرعه لم يشعر بأي ضرر ” .. ويقول : ” وجدت نفسي منذ ذلك اليوم وكان سني وقتها 22 سنة ، أقوم بالتبرع باستمرار بواقع 5 مرات أسبوعيًا وحدث ذات مرة أنني تبرعت بالخمس مرات في يوم واحد ، ووجدت الناس يطلقون عليّ لقب { بنك الدم المتنقل } “.

ويشير عم يحيى وكان يعمل جزارًا قبل أن يتوجه إلى الأعمال الحرة ، إلى أنه تبرع بأكثر من 10 آلاف لتر من دمائه حتى الآن ، معظمها مسجل في دفاتر المستشفيات والأماكن التي تبرع بها ، ويضيف أن الأطباء كانوا يقفون في حيرة أمامه ، خاصة وأن معظمهم كان يجده يوميًا وهو يتبرع بالدم ، وقاموا بعمل العديد من الفحوصات الطبية خوفًا على صحته ، وقالوا لي بعدها : إن الثوابت الطبية تؤكد أن دورة الدم داخل الشخص العادي تتجدد كل 120 يومًا أي بعد 4 أشهر من بداية تبرعه ومن الخطورة على صحته أن يتبرع أكثر من مرة قبل مضي هذه المدة ، وأبلغوني أن حالتي نادرة وهبة من عند الله سبحانه وتعالى ، بحيث تنمو كرات الدم الحمراء بشكل سريع جدًا وهو ما يزيد من كمية الدم في الدورة الدموية .

ويقول عم يحيى : ” أشعر براحة صحية كبيرة بعد التبرع ، وإذا لم أتبرع أشعر بالإجهاد والصداع ، وفور تبرعي تتحسن حالتي الصحية ، وما دام قلبي ينبض سأظل أتبرع حتى يقبض الله روحي “. (عن الأخبار في 26 / 5 / 2016م – العدد 20009)

10- شهبندر التجار :

قصة نجاح رائعة لمصري من الأخيار ، هو رجلٌ من الشطار ، عصامي واصل الليل بالنهار ، يتحرى الحلال ويخشى الواحد القهار .. يخاف من النار ، لبس تاج الفخار .. ويا له من فخار .

إنه شهبندر التجار ” الحاج محمود العربي ” أحد أبرز رجالات التجارة والصناعة في مصر .

مارس التجارة وهو في الخامسة من عمره بقروشه القليلة التي كان يحصل عليها من مصروفه والعيدية ، كان يدخرها ويعطيها لأخيه الكبير الذي كان يعمل بمصر ليحضر له بضاعة قليلة من الحلويات والبالونات ليبيعها لأطفال قريته .. ثم أتى إلى القاهرة وبدأ حياته في محل صغير في حي الحسين ، ثم محل بالموسكي لتجارة الخردوات والأدوات المدرسية ، وبعدها انطلق إلى آفاق أرحب بمعاونة أحد اليابانيين الذين كانوا يدرسون بالقاهرة بسبب سمعته الطيبة وأمانته في الموسكي ، فرشح له إحدى الشركات اليابانية لتوزيع مراوحها بمصر ، ونجح نجاحًا باهرًا ، ثم سافر إلى اليابان ، ثم عاد إلى مصر ، وافتتح مصنعًا في بنها ، ودارت عجلة الإنتاج ، ووفقه الله وسدد خطاه ؛ فأنشأ معاهد ومدارس ومستشفيات عن طريق مؤسسة لتنمية المجتمع ؛ فنِعْمَ المال الصالح في يد الرجل الصالح .

Exit mobile version