مناهل العرفان :
جامعة الأزهر ؛ هي ثالث أقدم جامعة في العالم بعد جامعتي الزيتونة والقرويين .
وهي تتبع للأزهر الشريف ، ومقرها الرئيسي بالقاهرة .
أنشئت سنة 970م .
ورجال الأزهر ، هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، على أعلى مستوى من العلم والدين -نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله- ، إذا تكلموا أجادوا ، وإذا كتبوا أفادوا .
حفظ الله أزهرنا الشريف ، وحفظ رجاله من الزيف أو التحريف .
ومع كتاب لأحد رجالات الأزهر الشريف ، يحمل اسم [ مناهل العرفان في علوم القرآن ] ؛ لمؤلفه فضيلة الشيخ محمد عبد العظيم الزُّرْقاني .
وهو كتاب مميز ومتميز ، ويعتبر من أهم وأشمل ما كُتب في علوم القرآن الكريم .
- وصاحب الكتاب -كما قال الزركلي- في الأعلام :
هو محمد عبد العظيم الزرقاني من علماء الأزهر الشريف .
وهو من أهالي الجعفرية في محافظة الغربية من جمهورية مصر العربية .
نسبته إلى زرقان ؛ وهي بلدة تابعة لمحافظة المنوفية .
وُلِدَ في مطلع القرن الرابع عشر الهجري .
تخرج في كلية أصول الدين ، وعمل بها مدرسًا لعلوم القرآن والحديث .
وتُوفي بالقاهرة في عام 1367 هـ/ 1948م .
يقول الشيخ الدكتور خالد بن عثمان السبت عن الكتاب :
كتاب مناهل العرفان من أهم وأشمل ما كُتب في هذا الموضوع ، حيث إن مؤلفه تعرض فيه لأهم مباحث هذا العلم وأكثرها فائدة ، كما قام بدمج الموضوعات ، والأنواع المتشابهة في مبحث واحد ، ولم يفرقها كما فعل غيره ، مع صياغته لعبارة هذا الكتاب بأسلوب رفيع ، ودملجة – تسوية – محكمة ، في الوقت الذي جمع فيه مادته العلمية من مؤلفات كثيرة ومتنوعة ، تزيد على المائة – حسب عزو المؤلف إليها ، مع أنه تبين أن المؤلف كان يعزو إليها عن طريق كتاب آخر ولم يكن نقل المؤلف واستفادته منها مقتصرًا على بعض دون بعض .
ومع استفادة المؤلف من كلام غيره من أهل العلم إلا أن ذلك لم يحوله إلى مجرد ناقل لما يكتبون ، بل له أسلوبه الخاص ، ومنهجه المستقل في البحث والنظر ، مع كون بعض مباحث هذا الكتاب تعد إعادة صياغة لما كتبه السيوطي في الإتقان .
لكن ذلك ليس بغالب على الكتاب ولله الحمد ، فإن فيه مباحث ومسائل مهمة ، بل مباحث كاملة زائدة على البرهان للزركشي ، والإتقان للسيوطي ؛ الأمر الذي جعل من الكتاب مرجعًا مهمًا يستقي منه من جاء بعد مؤلفه ، ممن أراد التأليف في هذا الفن .
والمؤلف رحمه الله وإن لم يكن قد استوعب جميع أنواع هذا الفن إلا أنه أحاط بالضروري منها تقريبًا .
ومع محاسن ومزايا الكتاب هذه إلا أن الكتاب لا يخلو من بعض الملحوظات والمآخذ المهمة .
** من الكتاب :
- قال صاحب مناهل العرفان محمد عبدالعظيم الزرقاني عن حفظة القرآن :
كان حفاظ القرآن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جمًّا غفيرًا ؛ منهم الأربعة الخلفاء ، وطلحة ، وسعد ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعمرو بن العاص وابنه عبدالله ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وعبدالله بن السائب ، وعائشة ، وحفصة وأم سلمة ، وهؤلاء كلهم من المهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين .
وحفظ القرآن من الأنصار في حياته : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو الدرداء ، ومجمع بن حارثة ، وأنس بن مالك ، وأبو زيد الذي سُئل عنه أنس فقال : إنه أحد عمومتي رضي الله عنهم أجمعين .
وقيل : إن بعض هؤلاء أكمل حفظه للقرآن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن مِن هؤلاء من حضروا العرضة الأخيرة ، ولذلك كان بعضهم في اللجنة التي عيّنها عثمان رضي الله عنه لكتابة المصحف وتوزيعه على الأمصار .
- مزايا كثيرة :
ويقول المؤلف رحمه الله :
{ هل توجد هذه المزايا مجتمعة إلا في الإسلام ، وهل يوجد الإسلام بغير القرآن ، وهل يُفهم القرآن إلا بعلوم القرآن ، وهو موضوع كتابنا الآن ، ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ… “.
في هذه المحاولة لا أدعي أنني أنشأت وابتكرت ، ولا أحدثت وابتدعت ، بل قصاراي أنني فهمت وأحسنت العرض إذا كنت قد وفقت ، أما المادة نفسها فالفضل فيها لعلماء هذه الأمة الذين أبلوا في جمعها بلاءً حسنًا}.
- في إعجاز القرآن وما يتعلق به :
والخلاصة برأي الشيخ : أن القرآن من أية ناحية أتيته ، لا ترى فيه إلا أنوارًا متبلجة ، وأدلة ساطعة ، على أنه كلام الله ، ولا يمكن أن تجد فيه نكتة من كذب ، ولا وصمة من زور ، ولا لطخة من جهل ، وإني لأقضي العجب من هؤلاء الذين أغمضوا أعينهم عن هذه الأنوار ، وطوعت لهم أنفسهم ، اتهام محمد صلى الله عليه وسلم بالكذب ، وزعموا أن القرآن من تأليفه هو لا من تأليف ربه ، مع أن الكاذب لا بد أن تكشف عن خبيئته الأيام ، والمضلل لا مناص له من أن يفتضح أمره ويتهتك ستره .
ثوب الرياء يشف عما تحته … فإن التحفت به فإنك عار
فيا أيها اللاعبون بالنار ، الهازئون بقوانين العقل والمنطق ، العابثون بمقررات علم النفس وعلم الاجتماع ، الغافلون عن نواميس الكون وأوضاع التاريخ ، الساخرون بدين الله وكتابه ورسوله ، كلمة واحدة أقولها لكم فاعقلوها ؛ معقول أن يكذب الكاذب ليجلب إلى نفسه أسباب العظمة والمجد ، وليس بمعقول أبدًا حتى عند البهائم أن يكذب الصادق الأمين ليبعد عن نفسه أعظم عظمة وأمجد مجد ، ولا شيء أعظم من القرآن ولا أمجد ، فكيف يتنصل محمد صلى الله عليه وسلم منه ولا يتشرف بنسبته إليه لو كان من تأليفه ووضعه ؟!
يمينًا لا حنث فيها لو أن محمدًا كان كاذبًا لكذب في أن ينسب هذا القرآن إلى نفسه ، على حين أنه ليس من إنشائه ورصفه كيما يحرز به الشرف الأعلى ويدرك به المقام الأسمى ، لو كان ينال شرف ويعلو مقام بالافتراء والكذب ولكن كيف يكذب الصادق الأمين ومولاه يتوعد ويقول :
” وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ للمتقين “. (الحاقة : 44-48)
حقًّا ، هو كتابٌ رائعٌ ماتع ، ندعوكم جميعًا لقراءته ، وهو متوفر في الأسواق .
رحم الله مؤلفه ، وجزاه عنا وعن الإسلام والمسلمين كل خير .