قالوا عن ابن حنبل :
أكثَرَ العلماء من الثناء على أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ؛ ومن ذلك قول الإمام الشافعي :
ثلاثة من عجائب الزمان ، عربي لا يُعرب كلمة ، وهو أبو ثور ، وأعجمي لا يخطئ في كلمة ، وهو الحسن الزعفراني ، وصغير كلما قال شيئًا صدقه الكبار ، وهو أحمد بن حنبل .
وقال أيضًا : خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدًا أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل .
وقال الربيع بن سليمان : قال لنا الشافعي : أحمد إمام في ثمان : إمام في الحديث ، إمام في الفقه ، إمام في اللغة ، إمام في القرآن ، إمام في الفقر ، إمام في الزهد ، إمام في الورع ، إمام في السنة .
قال قتيبة : لولا الثوري لمات الورع ، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين ، قيل لقتيبة : تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين ؟ فقال : إلى كبار التابعين .
قال ابن المديني : ليس في أصحابنا أحفظ منه .
وقال محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : سمعت أبي يقول : أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه .
وبإسناده قال علي بن المديني : أحمد بن حنبل سيدنا .
قيل لأبي زرعة : من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ ؟
قال : أحمد بن حنبل ، حزرت كتبه في اليوم الذي مات فيه ، فبلغت اثني عشر جملًا وأكثر ، كلها يحفظها عن ظهر قلب .
وقال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : عالم العصر ، وزاهد الدهر ، ومحدث الدنيا ، وعَلَمُ السنة ، وباذل نفسه في المحنة ، قَلَ أن ترى العيون مثله ، كان رأسًا في العلم والعمل ، والتمسك بالأثر ، ذا عقلٍ رزين ، وصدقٍ متين ، وإخلاصٍ مكين ، انتهت إليه الإمامة في الفقه والحديث ، والإخلاص والورع ، وهو أجل من أنه يمدح بكلمي ، أو أن أفوه بذكره بفمي .
هذا هو إمام أهل السنة ، الإمام الفذ ، والعالم الجهبذ ، الإمام المفضل ، والعالم المبجل ، أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله ، من عرفته الدنيا ، وطار اسمه في الآفاق ، فذكره ذاع ، وصيته شاع ، إمامًا عالمًا فقيهًا محدثًا مجاهدًا صابرًا لا يخاف في الله لومة لائم ، يتحمل المحن في سبيل الله ، والذب عن سنة رسول الله ، ويقارع الباطل بحكمة نادرة ، لا تزعزعه الأهواء ، ولا تميد به العواصف ، حتى عد قمة عصره وما بعد عصره ، وأُجمع على جلالته وقدره ، إلا عند من لم يعبأ بهم .
قال عنه يحيى بن معين : أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد ، لا والله ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .
قال البخاري : لما ضُرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول : لو كان هذا في بني إسرائيل لكان أحدوثة .
وقال إسماعيل بن الخليل : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان عجبًا .
وقال المزني : أحمد بن حنبل يوم المحنة ، وأبو بكر يوم الردة ، وعمر يوم السقيفة ، وعثمان يوم الدار ، وعلي يوم صفين .
وقال شيخه يحيى بن سعيد القطان : ما قدم علي من بغداد أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل .
وقال أبو عمر ابن النحاس وذكر أحمد يومًا فقال : رحمه الله في الدين ما كان أبصره ، وعن الدنيا ما كان أصبره ، وفي الزهد ما كان أخبره ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، وبالماضين ما كان أشبهه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .
وقال بشر بن الحارث الحافي بعدما ضُرب أحمد بن حنبل : أدخل أحمد الكير فخرج ذهبًا أحمر .
وقال الميموني : قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد ، وقبل أن يمتحن : يا ميموني ، ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل .. فعجبت من هذا عجبًا شديدًا ، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام ، فحكيت له مقالة علي بن المديني ، فقال : صدق ، إن أبا بكر الصديق وجد يوم الردة أنصارًا وأعوانًا ، وإن ابن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان .. ثم أخذ أبو عبيد يطري أحمد ويقول : لست أعلم في الإسلام مثله .
وقال علي بن المديني : إذا ابتليت بشيء فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان .
وقال علي أيضًا : إني اتخذت ابن حنبل حجة فيما بيني وبين الله عز وجل ، ثم قال : ومن يقوى على ما يقوى عليه أبو عبدالله ؟
وقال يحيى بن معين أيضًا : كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط ، كان محدثًا ، وكان حافظًا ، وكان عالمًا ، وكان ورعًا ، وكان زاهدًا ، وكان عاقلًا .
وقال محمد بن يحيى الذهلي : اتخذت أحمد بن حنبل حجة فيما بيني وبين الله عز وجل .
وقال هلال بن العلاء الرقي : مَنَّ الله على هذه الأمة بأربعة : بالشافعي ، فهم الأحاديث وفسرها ، وبيَّن المجمل من المفسر ، والخاص من العام ، والناسخ من المنسوخ ، وبأبي عبيد عرف الغريب وفسره ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن الأحاديث ، وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ، لولا هؤلاء الأربعة لهلك الناس .
وقال أبو بكر ابن أبي داود : أحمد بن حنبل مقدم على كل من حمل بيده قلمًا ومحبرة ؛ يعني في عصره .
وقال أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، ولا رأيت من رأى مثله .
وقال أبو زرعة الرازي : ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه منه .
وروى البيهقي ، عن الحاكم ، عن يحيى بن محمد العنبري قال : أنشدنا أبو عبدالله البوشنجي في أحمد بن حنبل رحمه الله :
إن ابن حنبل إن سألت إمامنا … وبه الأئمة في الأنام تمسكوا
خلف النبي محمدا بعد الألى … كانوا الخلائف بعده واستهلكوا
حذو الشراك على الشراك وإنما … يحذو المثال مثاله المتمسك
وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، وهم كذلك .
قال عبدالله بن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما : هم أهل الحديث .
قال ابن أبي يعلى :
لا يختلف العلماء الأوائل والأواخر أنه في السنة الإمام الفاخر ، والبحر الزاخر ، أُوذي فِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فصبر ، ولكتابه نصر ، ولسنة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم انتصر ، أفصح اللَّه فيها لسانه ، وأوضح بيانه ، وأرجح ميزانه ، لا رَهَبَ ما حُذِّر ، ولا جبن حين أُنذر ، أبان حقًّا ، وقال صدقًا، وزان نطقًا وسبقًا ، ظهر على العلماء ، وقهر العظماء ، ففي الصادقين ما أوجهه ، وبالسابقين ما أشبهه ، وعَنِ الدنيا وأسبابها ما كان أنزهه ، جزاه اللَّه خيرًا عَنِ الإسلام والمسلمين .
قال ابن مَنْجُويَه : كان حافظًا متقنًا، فقيهًا لازمًا للورع الخفي ، مواظبًا على العبادة الدائمة ، أغاث الله به أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه ثبت في المحنة وبذل نفسه لله ، حتى ضُرب بالسياط للقتل ، فعصمه الله من الكفر ، وجعله عَلَمًا يُقتدى به ، وملجأً يُلتجأ إليه .
قال ابن تيمية : الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ، ودفع به الضلال ، وأوضح به المنهاج ، وقمع به بدع المبتدعين ، وزَيْغَ الزائغين ، وشكَّ الشاكِّين .
قال ابن القيم : إمام أهل السنة على الإطلاق ، الذي ملأ الأرض علمًا وحديثًا وسنة ، حتى إن أئمة الحديث والسنة بعده هم أتباعه إلى يوم القيامة .
وقال ابن قاضي شهبة :
أحد أئمة الإسلام ، والهداة الأعلام ، وأحد الأربعة الذين تدور عليهم الفتاوَى والأحكام ، في بيان الحلال والحرام .
قال النووي : الإمام البارع ، المجمَع على جلالته وإمامته ، وورعه وزهادته ، وحفظه ووفور علمه وسيادته .
قال ابن كثير : أطبقت الأمة على تعظيمه وتوقيره ، وإجلاله واحترامه ، في علمه وزهده ، وورعه وسَعةِ فنونه ، وصبره على المحنة ، وقيامه لله بالسنة ، فهو خير الأمة ، وإمام الأئمة في زمانه ، والمُبرَّز على سائر أهل عصره وأقرانه .
قال أبو بكر بن أبي طاهر الأزدي :
شيخ الأئمة ، ومزكي الأمة ، وأوحد الملة ، رفيع القدر والهمة ، صَيْرَفِيُّ الأخبار ، وقدوة العلماء في معرفة الآثار ، إليه في فنونها الرَّدُ والقَبول ، وله في عيونها الغُررُ والحُجُول ، إمام الأنام ، مفتي الأمة في الحلال والحرام ، في علم الحديث بحر زخَّار ، وفي علم الفقه سماء مِدرار ، وفي الزهد والتقوى الحسن البصري ، وفي الرقائق والدقائق ذو النون المصري ، وفي الورع سفيان الثوري ، مالك أَزِمَّة العلوم في عصره ، القائم بإحياء الدين ونصره ، عزَّ بمكانه التُّقى ، وتحصَّن في جَنابه الهدى ، واعتدل ميْلُ الإسلام برأيه ، وانهزم خيل الباطل من حُجَجِه وآيه ، أقوى من ضَرَبَ في عصره عن بيضة الدين بالحسام المرهف ، وأعلم من تمكَّن في وقته في شاهق الملة الحنيفية من الشعب الأشرف ، مَشاهِدُه في الذَّب عن حريم السنة مشهورة ، ومآثره في جمع الحديث مأثورة ، وآية صبره في نصرِه السُّنَّةَ على جبينها مسطورة ، تفسيره للقرآن دُرٌّ منظوم ، ومُسنده للحديث روض مرهوم ، وسائر تصانيفه في أنواع العلوم وَشْيٌ مرقوم ، مسائله في الفقه جنة عالية ، قطوفها دانية ، ورَدُّه على الزنادقة دعوى التناقض على القرآن روضةٌ زاهرة زاهية ، ومقاماته في تمهيد قواعد السنة ظاهرة بادية ، أبقى لنفسه بذلك ذكرًا سائرًا وشرفًا شاهرًا ، سحب بمكانه أذيال الفخر على السحائب ، وجاز به أعلى المراتب والمناصب ، رضيت حكمتَه الحكماءُ ، واختص بثمرة قوله : ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ” (فاطر: 28) ، سار فضله في البدو والحَضَرِ مسيرَ الشمس والقمر .