رفيقان لا يفترقان أبدًا ؛ الأول تراه ولا تسمعه ، والآخر تسمعه ولا تراه .
فما هما ؟
ج : البرق والرعد .
البرق هو طاقة كهربائية ، بينما الرعد هو طاقة صوتية .
يحدث كلاهما في الوقت نفسه خلال عاصفة رعدية ، ولكن بما أن الضوء ينتقل بشكل أسرع من الصوت ، فإن البرق يُرى أولًا قبل أن يتمكن المرء من سماع صوت الرعد .
البرق سريع وساخن جدًّا ، في حين أن الرعد يمكن أن يستهل بأمطار غزيرة ورياح قوية ، ولكن البرق أكثر خطورة من الرعد .
ويتشكل البرق عندما تصطدم جزيئات الماء والجليد بالهواء الدافئ الرطب وتكوِّن طاقة ثابتة ، بينما يتكون الرعد من التمدد السريع للغازات في الشحنة الكهربائية للصاعقة .
يسبح الرعد بحمده : يقول الله تعالى في كتابه المجيد :
” وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ “. (سورة الرعد : 13)
- يقول الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم :
تحدثنا عن السُّحب في تدبّرنا العلمي للآية (43) في سورة النور ، وخاصة السحاب الركامي ، وكيف يتكون ، وكيف تتشكل فيه حباّت البَرَد وبلورات الثلج ، وكيف يهبط البَرَد ويصعد في السحابة ، وكيف تتولد منه شرارة كهربية تومض وميضًا شديدًا هو ” البرق “.
ونضيف هنا أن البرق بدرجة حرارته الهائلة يسخّن الكتل الهوائية التي ينتشر فيها ، فتتمدد ، فينتج عن هذا التمدد حدوث سلسلة من موجات التضاغط والتخلخل ، ينتج عنها قرقعة أو فرقعة أو جلجلة شديدة ، تتردد فيما بين السُحب الركامية وقواعدها في الغلاف الجوي ، وتتردد فيما بين هذه السحب وبين طبقات الغلاف الجوي ، أو المرتفعات الموجودة فوق سطح الأرض ، وهذه الجلجلة المدوية هي ” الرعد ” ، وحين يظهر وميض البرق يتبعه “تصفيق” فجائي هو القعقعة الرعدية ، وهذا يعني أن العاصفة الرعدية آتية حالًا فوق رؤوس الناس .
ولا يمكن رؤية البرق وسماع الرعد في آن واحد ؛ لأن البرق يتحرك بسرعة الضوء ، وأما الرعد فيسري بسرعة الصوت التي تقل كثيرًا عن سرعة الضوء (بمليون مرة تقريبًا) ، ولذلك يسمع الناس صوت الرعد بعد رؤية البرق .
ويمكن للعلماء الآن أن يحسبوا الفروق الزمنية بين لحظة رؤية البرق ولحظة سماع الرعد ؛ ليحددوا قيمة ارتفاع السحابة فوق سطح البحر .
الصواعق : أشرنا في بيان الإشارة العلمية الواردة في آية قرآنية آخري أن الصاعقة هى الأضرار والأخطار الناجمة عن البرق ، وليست البرق في حدّ ذاته ؛ بمعنى الآثار التدميرية لصدمة البرق ، وهي القوة المخرّبة التي تهلك الحرث والنسل ، ولذلك يحاول الناس أن يتحاشوا أضرارها بنصب “مانعات الصواعق” على رؤوس المباني والمرتفعات فوق سطح الأرض ، وهي بالطبع لا تمنع حدوث البرق ، وإنما تحرف مساره ، فيتشتت ويضعف فتقل أخطاره التدميرية .
- وفي القرآن الكريم :
يقول الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا / النائب السابق لرئيس جامعة القاهرة :
البرق والرعد من الظواهر الكونية التي تكرر ذكرها في القرآن الكريم ، قال تعالى :
” هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَـٰدِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ “. (سورة الرعد : 12-13)
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال : « اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك».
وروى الطبري عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكرًا ».
والبرق هو ما يُرى من النور اللامع ساطعًا من خلل السحاب ، أما الرعد فهو الصوت الشديد المدوي الذي يُسمع من السحاب في أعقاب حدوث البرق .
- الفيزياء الجوية :
ويضيف الدكتور أحمد فؤاد باشا :
ويخبرنا علم الفيزياء الجوية أن المزن الركامي المسؤول عن ظاهرتي البرق والرعد عبارة عن سحاب كثيف بلغ شأوًا كبيرًا من النمو ، تتراكم قمته على هيئة كتل جبلية تنخفض فيه درجة الحرارة إلى أقل من خمسين درجة مئوية تحت الصفر ، وتتساقط منه زخات تتراوح بين المعتدلة والغزيرة يصاحبها برق ورعد .
وقد دلت أرصاد توزيع الشحنات الكهربائية في المزن الركامي إلى أنها تتخذ في توزيعها ترتيبًا خاصًّا لم يعرف العلم البشري سببًا واضحًا له حتى الآن ، حيث تغلب الشحنات السالبة في جزء كبير من السحاب فوق مستوى الصفر المئوي ، بينما تغلب الشحنات الموجبة في المناطق العليا من السحاب فوق مستوى الجليد ، في حين يوجد مركز صغير لشحنات موجبة عند قاعدة السحاب في الجزء الذي يسقط منه مطر غزير ، وعندما يتزايد تراكم الشحنات الكهربية إلى درجة تنهار معها مقاومة الهواء العازل ، فإن تفريغ الشحنات الكهربائية غير المتجانسة يحدث بين الأجزاء العليا والأجزاء السفلى من سحابة واحدة ، أو بين سحابتين قريبتين من بعضهما ، ويظهر التفريغ على صورة شرارة كهربائية هائلة ذات وميض ، هي البرق .
وتستنفد أثناء ذلك كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية ، وينجم عن ذلك تسخين شديد مفاجئ في منطقة انبعاث البرق ، ويتمدد الهواء فجأة محدثًا تفريغًا جزئيًّا أو تخلخلًا في المكان .
لذا سرعان ما يندفع الهواء من كل صوب ليملأ موضع الفراغات محدثًا صوت الرعد .
أما إذا حدث التفريغ الكهربي بين سحابة وسطح الأرض أو أي جسم مرتفع عليها ، فإنه يسبب صاعقة تؤدي إلى كثير من الدمار في مكان حدوثها .
وتقضي مشيئة العليم الخبير أن يكون حدوث البرق بقدر معلوم ، بحيث يكون المطر مفيدًا لنبات الأرض من دون أن يتغير طعمه بالنسبة للإنسان أو الحيوان ، فقد أوضحت أبحاث الكيمياء الجوية أن البرق يسبب تفاعلًا كيميائيًّا في الجو بين غاز النتروجين والأكسجين ، فتتكون أكاسيد النتروجين التي تذوب في ماء المطر وتجعله حمضيًّا بالقدر الذي يناسب الحياة على الأرض .
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن سخر ظاهرة البرق بحيث لا تتجاوز المعدل الذي يفقد عنده ماء المطر عذوبته ويتغير طعمه ، كما يظهر من التعبير القرآني في قوله تعالى : ” أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ “. (الواقعة : 68-70)
حمدًا لك يا رب على عظيم نعمائك ، وشكرًا يليق بجلالك على ما أسبغت علينا من علم نافع يهيئ سبيل الإيمان الخالص بك على هدى وبصيرة .
ندعوكم لقراءة : الخنس الجوار الكنس
- قال الإمام القحطاني في نونيته :
علم الفلاسفة الغواة طبيعة … ومعاد أرواح بلا أبدانِ
لولا الطبيعة عندهم وفعالها … لم يمش فوق الأرض من حيوانِ
والبحر عنصر كل ماء عندهم … والشمس أول عنصر النيرانِ
والغيث أبخرة تصاعد كلما … دامت بهطل الوابل الهتانِ
والرعد عند الفيلسوف بزعمه … صوت اصطكاك السحب في الأعنانِ
والبرق عندهم شواظ خارج … بين السحاب يضيء في الأحيانِ
كذب أرسطاليسهم في قوله … هذا وأسرف أيما هذيانٌ
الغيث يفرغ في السحاب من السما … ويكيله ميكال بالميزانِ
لا قطرة إلا وينزل نحوها … ملك إلى الآكام والفيضانٌ
والرعد صيحة مالك وهو اسمه … يزجي السحاب كسائق الأظعانِ
والبرق شوظ النار يزجرها به … زجر الحداة العيس بالقضبانِ
أفكان يعلم ذا أرسطاليسهم … تدبير ما انفردت به الجهتانِ
أم غاب تحت الأرض أم صعد السما … فرأى بها الملكوت رأي عيانِ
أم كان دبر ليلها ونهارها … أم كان يعلم كيف يختلفانٌ
أم سار بطلموس بين نجومها … حتى رأى السيار والمتواني
أم كان أطلع شمسها وهلالها … أم هل تبصر كيف يعتقبانِ
- السُّنَّة الصحيحة :
قالوا على موقع إسلام ويب :
ما ذكره الإمام القحطاني في أبياته منه ما دلت عليه السنة الصحيحة كقوله عن البرق إنه شواظ يزجر به السحاب ، وأن هناك مَلَكًا موكل بالمطر ، ففي مسند أحمد وسنن الترمذي ، وصححه الألباني من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ؛ أَخْبِرْنَا عَنْ الرَّعْدِ مَا هُوَ ؟
قَالَ : مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ، فَقَالُوا : فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي نَسْمَعُ ؟ قَالَ : زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ .
قَالُوا : صَدَقْتَ …إلخ ( الحديث ).
قال ابن عبد البر في الاستذكار : جمهور أهل العلم يقولون : الرعد ملك يزجر السحاب ، ويجوز أن يكون زجره لها تسبيحًا ، لقول الله تعالى : وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك ، كقول من يقول إنه -أي الرعد- اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه ، فإن هذا لا يناقض ذلك ؛ لأن الرعد مصدر رعد يرعد رعدًا ، وكذلك الراعد يسمى رعدًا ، كما يسمى العادل عدلًا ، والحركة توجب الصوت ، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان ، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة . اهـ .
- عند سماع الرعد :
جاء في بعض الأحاديث أنه يُقال عند سماع الرعد : ” سبحان الذي يسبح الرعد بحمده ، والملائكة من خيفته “ ، وكان عبدالله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث ، وقال : .… الحديث .
( الموطأ : 2 /992 ).
أما البرق فلم يرد شيء يُقال عند رؤيته ؛ كما قال أهل العلم .
والله أعلى وأعلم .