رسالة إلى الشيخ :
عندما توفيت زوجة الشيخ سلمان العودة ، حزن عليها حزنًا شديدًا ، واشتهر حزنه عليها .
أرسلت إليه إحدى صديقات زوجته رسالة تصبره فيها ، وإليكم رسالتها إليه :
{ السلام عليكم يا شيخ ..
أنا إحدى صديقات زوجتك -رحمها الله تعالى- ، بلغني وفاة زوجتك وغاليتك أم معاذ ، وبلغني حزنك الذي مر بك .
فاقرأ قصتي ، ليست أول قصة تُحكى عن الفقد والألم .
فهناك المئات مثلي يعانون الفقد والحرمان ؛ إما أحد والديه أو إخوته أو كليهما .
بدأت قصتي في يوم 27 من شهر رمضان عام 1431هـ في آخر ساعة من ذلك اليوم .
يومها اتفقنا جميعًا نركب سيارة واحدة ونغادر ذهابًا إلى بيت الله الحرام لنؤدي فريضة العمرة .
وهذا قدر من أقدار الله أن إخواني رفضوا ركوب سيارتهم ، وجاءوا معنا ، فكنا ثمانية أشخاص ؛ أنا ووالديّ وأخواتي وإخواني ، وكان القائد والدي ، وأمي بجانبه .
اتفقنا وقتها أن كل واحد منا يمسك المصحف ويقرأ ويدعو الله إلى أن نصل حتى نختم القرآن بذلك اليوم .
واستمررنا بالقراءة مع صمت وخشوع كأننا لن نقرأه مرة أخرى !
كانت أختي تقرأ وتبكي ، والأخرى تنظر إليّ وتبكي وتدعو ، وكنت أسألهم لماذا الدموع ؟
فقالت إحداهن : صوت الله قريب مني وأنا اقرأ .
أثناء ذلك ، أظن أن الوالد رحمة الله عليه غلبه النعاس ، وانحرفت السيارة من أعلى العقبة ؛ هذه العقبة أعلى الجبل ، سقطت بنا السيارة في الوادي مسافة طويلة ، وانقلبت بنا وكل ما تدحرجت يخرج أحدهم من السيارة ويسقط .
أنا وقعت على شجرة والباقون بالوادي سقطوا .
وقت الحادث كان أذان المغرب ، عندها أغمي عليّ ونزفت كثيرًا .
أذكر أني صحوت وصرخت أبحث عنهم ، وكنت رغم الكسور والإصابات أمشي مرة وأحبو مرات .
لم يشاهدنا أحد أثناء سقوط السيارة ، وبدأت أزحف إلى أن وصلت إليهم .
حاولت تغطية أخواتي ، وجدتهن فارقن الحياة ، وكل واحدة رافعة السبابة وقد تشهدن ولله الحمد .
جمعتهن في مكان واحد .
حينها حل الظلام ، والخوف من أصوات الحيوانات والظلام .
لم أجد إخوتي .
زحفت ووجدت أمي قد فارقت الحياة ، وقد تشهدت وعباءتها ملتفة عليها كالكفن لم يظهر منها سوى إصبعها وقد تشهدت ، حتى الغطاء لم يسقط .
بقيت بحضنها أحاول لعلها تسمعني ، ولا فائدة .
وصلت لأبي وكان مازال حيًّا وينزف ، فرحت وضممته على صدري ، فرحت أنه مازال معي ، فقال لي :
أوصيك بنفسك ، ألا تبقين هنا كثيرًا ، واطلعي الجبل ، ونادي من يساعدك ، ويساعد إخوتك وأمك .
عندها خفت من صوت الكلاب -أكرمك الله- حولي ومن ظلام الليل ، فبقيت بحضن أبي ، وقلت له : أنا أنزف ولا أستطيع الحركة وسأبقى معك .
وقتها أخذني على صدره ، وكان يوصي بأن أكون كما عهدني ، وبقي يدعو لي ، وسمعته يتشهد وفارق الحياة .
بقيت لوحدي أبكي وأدعو إلى أن دخلت في غيبوبة ، ولم أحس بنفسي فقد أغمي علي من كثرة النزيف .
في اليوم الثاني عصرًا ، تخيل يوم كامل لم يرنا أحد ، وجدنا راعي غنم ، وأبلغ الدوريات ؛ ومن هنا جاءت فرق الدفاع من طيارة وسيارات ، وتم انتشالنا على دفعات .
بعدها لم أفق من الغيبوبة إلا بعد خمسة أشهر ، وأدركت ما حصل ، وكأنه خيال وحلم .
بقيت أتعالج سنتين في كندا .
أصبت بكسور خطيرة في الرأس والرقبة والظهر والحوض وغير ذلك .
إني فقدت بسبب النزيف نعمة أن أكون أمًّا ، رغم محاولات كثيرة وفشلت من الأطباء .
فكان الاختيار إما حياتي أو العملية التي قد تفقدني نعمة الأبناء .
وكان اختيارًا صعبًا ، ودمرني كثيرًا .
وها أنا بخير وعافية والحمد الله .
وأنا تعمدت أن أخبرك بقصتي يا شيخ ؛ حتى تعلم أنك لست الوحيد من فقد عزيزًا وغاليًا .
وأن الدنيا لن تنتهي بفقد أحدهم ، ولكن علينا الصبر على أقدار الله التي هي من تمام الإيمان .
والحمد الله ها أنا أعود لعملي .
وانتقلت للرياض وبدأت أعيش وأتعايش مع حياتي الجديدة ، والحمد لله على كل حال .
نسيت أن أقول لك : كان على موعد زفاف أخواتي أسبوعان ، وكنا نريد أن نعتمر قبل زفافهن ، وإلى الآن فساتين زفافهن معي ومحتفظة بها إلى أن أموت }.
- ولنا تعليق ، وبالله التوفيق :
الصبر ، ثم الصبر ، ثم الصبر والاحتساب ، وعند الله جزيل الثواب ، كما جاء في محكم الكتاب ؛ « إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ».