دعاء نزول المنزل :
ما أرحم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة ، فما من خيرٍ إلا ودلنا عليه ، وما من شرٍّ إلا وحذرنا منه .
فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيًّا عن أمته ، ورسولًا عن قومه ، وآته الوسيلة والفضيلة ، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته .
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” مَن نزل منزلًا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق ؛ لم يضرّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك “. (رواه مسلم)
– يحكي الشيخ محمد مختار الشنقيطي ، يقول :
رجل في غامد كان عنده بستان على طرف جبل ، وكانت القرود دائمًا تهاجمه وتهاجم المزارع .. أخذ بندقه وانتظر بعد المغرب حيث موعد وصولهم بعد رجعة الناس إلى بيوتهم .
جاء إلى ظل شجرة كبيرة بعد المغرب لكيلا يروه ، واختبأ تحتها بعد أن اتكأ ووضع البندق ليقتل القردة .. فتأخرت في تلك الليلة ولم تأت ، ونام الرجل من شدة تعبه وتخطى القمر الشجرة حتى أصبح في وجهه .
في هذه الحالة يقول : ما أيقظني إلا أنني أحسست شيئًا على صدري ، فأفقت فإذا هو ثعبان فمه أمام فمي ، وبقية جسمه ممتد بامتداد جسمي ، فرأيت بريق عينيه على ضوء القمر ورأيت لسانه وما يشبه الشوكتين فيه كبير جدًا ، لو تحركت لقتلتني ، فأيقنت بالهلاك ، وقلت في نفسي : جئت لأحمي البستان من القردة فإذا بي سأذهب ضحية .
ثم تذكرت سلاحًا أعطانا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنا قد أهملته ؛ وهو دعاء نزول المنزل ، ولكني قد أهملته نسيانًا ، والله تجاوز عن النسيان .
كل هذا في نفسي وأنا لا أتحرك ؛ لذلك فسأذكره بصدق ويقين ، فذكرته وقلت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق .. فوالله ما أكملته حتى شعرت بشيء آخر يقفز على بطني ، فقلت هذه مصائب تتابعت وظننته ثعبانًا آخر ، وإذا به قنفذ ، وبلادنا ليس فيها قنافذ أصلًا ، قفز وأدخل فم الثعبان في فمه ثم تدحرجا بعيدًا عني ، فقمت ولا أصدق أنني سلمت .
وسألت الجماعة هل رأيتم قنافذ من قبل في بلادنا .. فقالوا : لا ، أبدًا . (انتهى)
- أخرج الإمام مسلم رحمه الله في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، بابًا في التَّعوذ من سُوء القضاء ودرك الشَّقاء وغيره ، برقم (4881) ، فقد أورد حديثَ خولة بنت حكيم السُّلمية رضي الله عنها قالت : سمعتُ رسول الله ﷺ يقول :
” مَن نزل منزلًا ثم قال : أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق ؛ لم يضرّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك “.
قوله صلى الله عليه وسلم : ” مَن نزل منزلًا ” قيَّده بعضُ أهل العلم بالسَّفر ، ولكنَّ ليس في الحديث ما يدلّ عليه ، فإنَّ قوله : منزلًا نكرة في سياق الشَّرط ، والنَّكرة في سياق الشرط للعموم : مَن نزل منزلًا ؛ يعني : في الحضر ، أو في السَّفر .
وإلى هذا ذهب جمعٌ من أهل العلم ، فلم يُقيدوه بحال السَّفر ، فلو أنَّه نزل في مكان ، أو في نزهةٍ ، أو ذهب إلى الجامعة أو المدرسة ، أو ذهب إلى استراحةٍ ، أو أراد أن يدخل مكانًا ربما يكون فيه شيءٌ من الهوامِّ ، أو نحو ذلك ، من أيّ منزلٍ ينزله في الطَّريق في غير سفر ، فقال : أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق .
ثم إنَّ التَّنكير في ” منزلًا ” يُفيد التَّعميم : أيّ منزلٍ ، فهو للشيوع .
ثم قال جاء بـ ” ثم ” التي تُفيد التَّراخي ، بمعنى : لو أنَّه نزل ، ثم نسي ( كصاحب الحكاية التي ذكرها الشيخ الشنقيطي ) ، أو شُغِلَ عن ذلك ، ثم تذكّر بعد نزوله بساعةٍ ، أو أكثر ، فقال : أعوذ بكلمات الله التَّامات من شرِّ ما خلق ، فإنَّ ذلك يصدق عليه هذا الحديث النبوي الشريف ، فيكون كما قال النبيُّ المعلم ﷺ : لم يضرّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك .
إذًا لا يُشترط أن يكون ذلك بمجرد النُّزول ، ولكن الأَوْلَى أن يكون في أول نزوله ؛ من أجل ألا يقع له مكروه .
- قال الزرقاني في شرح الموطأ : وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِمَنَازِلِ السَّفَرِ ، بَلْ عَامٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَلَسَ فِيهِ ، أَوْ نَامَ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَهَا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلسَّفَرِ ، أَوْ عِنْدَ نُزُولِهِ لِلْقِتَالِ الْجَائِزَ . قَالَهُ الْأَبِيُّ .
- وقال ابن علان في دليل الفالحين : ( من نزل منزلًا ) أيّ منزل كان ، فالتنوين للتنكير ، والشيوع .
- وقال القاري في المرقاة : ( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ : فِي سَفَرِهِ ، أَقُولُ : وَكَذَا فِي حَضَرِه ، إِذْ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ مَعَ التَّنْكِيرِ .
( حَتَّى يَرْتَحِلَ ) أَيْ : يَنْتَقِلَ ( مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ).
صلى الله على المعلم ، صلى الله عليه وسلم .