من أروع ما قرأت عن الهمة العالية :
اعلموا أن صاحب الهمة العالية :
لا يهمه الحر ، ولا يخيفه القر ، ولا يزعجه الضر ، ولا يقلقه المر ، ولا يعرف الفر ؛ لقد تدرع بالصبر ، فله عظيم الأجر ، من ربٍّ يعطي على الصبر ما لا يعطي على سواه ، سبحانه جل في علاه .
عَمِيَ بعض المحدثين من كثرة الرواية ؛ فما كَلَّ ولا مَلَّ حتى بلغ النهاية !
مشى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- من بغداد إلى صنعاء ، وبعضنا يفتر في حفظ دعاء !!
سافر أحدهم إلى مصر ، وغدوه شهر ورواحه شهر ، في طلب حديث واحد ؛ ليدرك به المجد الخالد !
اعلم -حبيبي في الله- أن الماء الراكد فاسد ؛ لأنه لم يسافر ولم يجاهد !
ولما جرى الماء ؛ صار مطلب الأحياء .
بقيت على سطح البحر الجيفة ؛ لأنها خفيفة .
وسافر الدُّر إلى قاع البحر ؛ فوُضع من التكريم على النحر .
نصوص الوحي تناديك : سارع ولا تلبث بناديك ، وسابق ولا تمكث بواديك .
- المطالب العالية :
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
” كَانَ حَقِيقًا بِالْإِنْسَانِ أَنْ يُنْفِقَ سَاعَاتِ عُمْرِهِ بَلْ أَنْفَاسَهُ فِيمَا يَنَالُ بِهِ الْمَطَالِبَ الْعَالِيَةَ ، وَيَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْخُسْرَانِ الْمُبِينِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَاسْتِخْرَاجِ كُنُوزِهِ وَإِثَارَةِ دَفَائِنِهِ ، وَصَرْفِ الْعِنَايَةِ إِلَيْهِ ، وَالْعُكُوفِ بِالْهِمَّةِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ الْكَفِيلُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ ، وَالْمُوَصِّلُ لَهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ ، فَالْحَقِيقَةُ وَالطَّرِيقَةُ ، وَالْأَذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ الصَّحِيحَةُ ، كُلُّهَا لَا تُقْتَبَسُ إِلَّا مِنْ مِشْكَاتِهِ ، وَلَا تُسْتَثْمَرُ إِلَّا مِنْ شَجَرَاتِهِ “.
- لا ترضَ بالصف الآخر :
قال ابن الجوزي رحمه الله :
” إذا هممتَ فبادر ، وإن عزمت فثابر ، واعلم أنه لا يدرك المفاخر ، من رَضِيَ بالصف الآخر “.
- قال ابن هانئ الأندلسي :
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيهِ … فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهمة العلياء يرقى إلى العُلَا … فمن كان أرقى همة كان أظهرا
ولم يتأخر من يريد تقدمًا … ولم يتقدم من يريد تأخرا
- صباح الهمة العالية :
سيندمُ البعض حينَ يرى أناسًا كانوا في مثل ظروفه وسنه ؛ شمَّروا عن سواعد الجدِّ ووضعوا في قلوبهم زاد الهِمَّة ، وحملوا على أكتافهم سلاحَ العزمِ ، وتجنبوا التفاهات والمثبطات ؛ فوصلوا لمرادهم وحققوا مبتغاهم ، وهو لازال في مكانه لايبرحهُ ، تخنق الغفلة أنفاسه .
صبـاح الهمة .
- قال أبو الطيب المتنبي :
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ … وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها … وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ
- ولله در الإمام الشافعي القائل :
بِقَدرِ الكدِّ تُكتَسَبُ المَعالي … وَمَن طَلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالي
وَمَن رامَ العُلا مِن غَيرِ كَدٍ … أضاعَ العُمرَ في طَلَبِ المُحالِ
تَرومُ العِزَّ ثم تَنامُ لَيلًا … يَغوصُ البحر من طلبِ اللآلي
عُلوُّ القدرِ بالهمم العَوالي … وعزٌّ المَرءِ في سَهرِ الليالي
تركت النوم ربي في الليالي … لأجل رضاك يامولى الموالي
فوفقني إلى تحصيل علم … وبلغني إلى أقصى المعالي
ندعوكم لقراءة : قالوا عن القناعة
- قال أبو الطيب المتنبي :
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبارًا … تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ
قال عبد الرحمن البرقوقي ، في شرح ديوان المتنبي :
إذا عظمت الهمة وكبرت النفس تعب الجسم في تحصيل مرادها ؛ وذلك أن الهمة تُعَنِّي الجسمَ في طلب معالي الأمور ، ولا ترضى بالمنزلة الدون ، ولا تستريح أو تحصلَ على الرتب العالية ، كما قال العتابي :
وإن عليَّاتِ الأمور مَشوبةٌ … بمستودعاتٍ في بُطون الأساوِدِ
( الأساود : الحيات ).
قال العكبري : وبيت المتنبي من كلام أرسطو : إذا كانت الشهوة فوق القدرة كان هلاك الجسم دون بلوغ الشهوة .. قال ابن وكيع : لم يأخذ من الحكيم ، وإنما أخذ من أهل صناعته ، فأخذ قوله من قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر :
فقالوا : ألَا تلهو لتُدْرك لذة ؟
فقلت : وكيف اللهوُ والهمُّ حاجزُ ؟
ونفسي تُعاني أن تقيم مُرُوءتي … على غايتي في المجدِ والجهدُ عاجزُ
ومن قول أبي زرعة :
أهلُ مجدٍ لا يحفِلون إذا نا … لوا جسيما أن تُنهكَ الأجسامُ
ومن قول الحصني :
نفسي مُوَكَّلةٌ بالمجد تطلُبُه … ومطلبُ المجد مقرونٌ به التلفُ
ومن قول ابن جابر :
إذا ما علا المَرْءُ رَامَ العُلا … وَيَقْنَعُ بالدُّون مَنْ كان دُونَا
ومن قول أبي تمام :
فعلِمْنَا أنْ ليسَ إلَّا بشِقِّ النَّفـْ … ـسِ صَارَ الكَرِيمُ يُدْعى كَرِيمَا
طَلبُ المجدِ يورِثُ النَّفْسَ خَبْلًا … وهُمُومًا تُقَضْقِضُ الحيزُومَا
( الخبل : الفساد في الأصل ، والمراد : الهم .. والحيزوم : الصدر .. وتقضقض : تكسر وتحطم ).
ولقد أخذ هذا المعنى أبو القاسم بن الحريش فقال :
فيا من يكُدُّ النَّفْسَ في طلبِ العُلا … إذَا كَبُرَتْ نفْسُ الفتى طال شُغْلُهُ
- ولله در القائل :
كم من همم رفعت أصحابها إلى أعلى القمم ، وكم من أناس علت بهم وازدانت أمم ، وكم من سير فجرت النور في سواد الظلم ، وألقت السمع في قلب الصمم ؛ فارتقى بها كل من علم ومن فهم .
- قال الشيخ فهد بن حسن الغراب في خطبة له :
إن كبير الهمة لا يزال يحلّق في سماء المعالي ، ولا ينتهي تحليقه دون عليين ، فهي غايته العظمى وهمه الأسمى ، حيث لا نقص ولا كدر ، ولا تعب ولا نصب ، ولا هم ولا غم ولا حزن ، وإنما هي نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وفاكهة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، في مقام أبدي : ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا “. (الكهف : 107-108)