الماء سر الحياة ، لكل خلق الله .
الماء سر الوجود ، فوائده بلا حدود .
يقول الله تبارك وتعالى :
” وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ “. (الأنبياء : 30)
لقد جعل الله جلّ في علاه الحياة مرتبطة كليًّا بالماء ؛ فالإنسان 70% من مكوناته هو الماء ، وهو لا يمكنه أن يعيش أكثر من سبعة أيام دون ماء ، بل هو في أمس الحاجة إليه في كل لحظة .
وما يسري على الإنسان يسري على الحيوان ، فهو لا يمكنه العيش دون ماء ، وكذلك النبات لا يعيش إلا بالماء .
قال ابن كثير في التفسير : « ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ ؛ أيْ وهم يُشاهدونَ المخلوقاتِ تحدثُ شيئًا فشيئًا عيانًا ، وذلك كلُّه دليلٌ على وجودِ الصانعِ ، الفاعلِ المختارِ ، القادرِ على ما يشاءُ : ففِي كلِّ شيءٍ له آيةٌ تَدُلُّ على أَنَّهُ وَاحِدُ ».
وفي تفسير الجلاليْنِ : « وجعلنا من الماءِ النازلِ من السماءِ والنابعِ من الأرض كلَّ شيءٍ حيٍّ ، من نباتٍ وغيرِه ، أي فالماءُ سببٌ لحياتِه ، أفلا يؤمنون ».
إنَّ الحياةَ على وجه الأرض ؛ حياةَ الإنسانِ ، وحياةَ الحيوانِ ، وحياةَ النباتِ ، قوامها الماءُ ، فالماءُ هو الوسيطُ الوحيدُ الذي يحمل الأملاحَ والموادَّ الغذائية منحلةً فيه إلى الكائن الحيِّ ، ولولا الماءُ لَمَا كان على وجه الأرض حياةٌ .
ولكنْ من منَّا يصدِّقُ أنَّه في كلِّ ثانيةٍ حصرًا ، في كلِّ ثانيةٍ تمضي يهطل من السماء إلى الأرض على مستوى الكرة الأرضية ستة عشر مليون طنٍّ من الماء ، قال تعالى : ” أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبًّا “. (عبس : 25)
من أجل قوام الحياة تسقط في كلِّ ثانيةٍ ستةَ عشرَ مليونًا من الأطنان منَ الماءِ ، تسقطُ من السماءِ إلى الأرض ، ولكنَّ هذا السقوط يتبدَّى فيه اسمُ ( اللطيف ) ، فلو أنَّ هذا الماءَ هوى على الأرض بشكلٍ متصلٍ مجمَّعٍ لأتْلَفَ كلَّ شيءٍ ، ولحطَّم كلَّ شيءٍ ، ولأنهى الحياةَ ، ولكنَّه ينزلُ على شكل قطراتٍ صغيرةٍ فيها لطفٌ ، وفيها رحمةٌ ، وفيها حكمةٌ .
الحكمة في أن الله جعل الماء الذي نشربه عذبًا ليس له لون ولا طعم ولا رائحة ؛ فلو كان للماء لون :
لتشكلت كل ألوان الكائنات الحية بلون الماء الذي يشكل معظم مكونات الأحياء .
لو كان للماء طعم :
لأصبحت كل المأكولات من الخضار والفواكه بطعم واحد وهو طعم الماء !!
فكيف يُستساغ أكلها ؟
” يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ “.
ولو كان للماء رائحة :
لأصبحت كل المأكولات برائحة واحدة ، فكيف يُستَسَاغ أكلها بعد ذلك ؟!
لكن حكمة الله في الخلق اقتضت أن يكون الماء الذي نشربه ونسقي به الحيوان والنبات ماءً عذبًا أي بلا لون ولا طعم ولا رائحة !
فهل نحن أدينا للخالق حق هذه النعمة فقط ؟
– مياه مختلفة :
ولم تقف الحكمة في ماء الحياة ، ولكن انظر إلى هذه المياه المختلفة :
ماء الأذن مُرّ ، وماء العين مالِح ، وماء الفم عَذْب !
اقتضت رحمة الله أنه سبحانه جعل ماء الأذن مُرًّا غاية المرارة ؛ لكي يقتل الحشرات والأجزاء الصغيرة التي تدخل الأذن .
وجعل ماء العين مالحًا ليحفظها ؛ لأن شحمتها قابلة للفساد فكانت ملوحتها صيانة لها .
وجعل ماء الفم عذبًا ؛ ليدرك طعم الأشياء على ما هي عليه ، إذ لو كانت على غير هذه الصفة لأحالها إلى غير طبيعتها .
سبحان مَنْ هذا خَلْقُه .
– الماء سر الحياة منذ نشأتها :
يقول الأستاذ الدكتور منصور إبراهيم أبو شريعة / جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية :
أكد القرآن الكريم على أن الحياة منذ نشأتها الأولى احتاجت إلى الماء كعامل أساسي لظهورها حيث ذكر أن الطين كان أول مراحل خلق الكائنات الحية ، والطين هو التراب المعجون بالماء فقال عز من قائل :
“ ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ ”. (السجدة : 7)
إن الدور المهم الذي يلعبه الماء في حياة الكائنات الحية يمكن أن ندركه عندما نقارن حال الأرض قبل وبعد نزول الماء عليها ؛ فهي جرداء قاحلة في غياب الماء وخضراء يانعة بعد نزوله عليها ، قال الله تعالى : “ وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ”. (الحج : 5)
والقائل سبحانه :
“ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ”. (الحج : 63)
والقائل سبحانه : “ هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ”. (النحل : 10-11)