الأخوة من أجمل الأشياء في حياة كل إنسان ؛ فهي السبيل إلى التفاهم والتناغم والانسجام ، وأدنى مراتب الأخوة سلامة الصدر ، وأعلاها الإيثار .
وإن مهاد الأخوة الإسلامية ليتيح فرصة صحية لتناول أمور ومشكلات المجتمع من أجل علاجها هي ، ومن ثم يمكن مواجهة هذه المشكلات وحلها حلًّا سليمًا ، كما تتيح فرصة طيبة من أجل تحقيق التكافل الاجتماعي ، وتحقيق العدل في المجتمع الإسلامي .
– يوسف وأخوه :
قال الله تعالى :
” وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّىٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “. (يوسف : 69)
التفسير الميسر : ولما دخل إخوة يوسف عليه في منزل ضيافته ومعهم شقيقه ، ضم يوسف إليه شقيقه ، وقال له سرًا : إني أنا أخوك فلا تحزن ، ولا تغتمَّ بما صنعوه بي فيما مضى .. وأمره بكتمان ذلك عنهم .
تفسير السعدى : ” وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “.
أي : لما دخل إخوة يوسف على يوسف { آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ } أي : شقيقه وهو ” بنيامين ” الذي أمرهم بالإتيان به ، وضمه إليه ، واختصه من بين إخوته ، وأخبره بحقيقة الحال ، و { قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ } أي : لا تحزن { بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فإن العاقبة خير لنا ، ثم خبره بما يريد أن يصنع ويتحيل لبقائه عنده إلى أن ينتهي الأمر .
{ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ }
أما دلالاتها و ظلالها فهذه من بعضها :
أخي :
أنا بئر أسرارك ..
وحضن احتوائك ..
وكهف إيوائك ..
ومؤنس وحدتك ..
وتوءم روحك ..
ورفيق دربك ..
وبث نجواك ..
وسلواك في بلواك ..
وظلك الوريف ..
ومرفأ روحك المتعبة ..
ومستراح فؤادك القلق ..
أنا الخبر في جملة أنت مبتدؤها ، ولا تتم الجملة إلا بالخبر ..
أنا صوت ضميرك الحي إن شردت ..
وحاديك إلى المعالي حين تكسل ..
وتربيتة الحنو على كتفك حين تثقل ..
وصوت المؤذن في أذنيك حين تغفل ..
أنا اللبنة الناقصة في بنائك ، ولا اكتمال و لا جمال إلا بها ..
أنا الترنيمة العذبة في نشيدك الحزين ..
أنا المنظر الحسن الذي تراه بناظريك ..
واللحن الرخيم الذي يشنف أذنيك ..
أنا سندك الذي تستند إليه ؛ وثوقًا في الاعتماد عليه ..
أنت بي .. وأنا بك ..
ونحن بالله ..
لولا الله لما انعقدت عقدة أخوتنا ..
في الله كانت .. وفيه تكون .. وإليه تُنسب ..
دمتَ لي .. ودمتُ لك .
– إخـــاء ومحبــــة :
لله در القائل :
رعــى اللّٰـه الأحبة حيث حلـــوا … لهــم في القلب مرتحل وحـــلُّ
خيول الشوق مسرجة إلــــيهم … تبـــارت حيثما ساروا وهلوا
– ما أروع ما قال هذا الشاعر :
فإن يكن عن لقائك غاب وجهي … فلــم تغب المـودة والإخاءُ
ولم يغب الثناء عليـك منـــــي … بظهر الغيب يتبعه الـــدعاءُ
– قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
” ما أُعطِي العبد بعد الإسلام نعمة خيرًا من أخ صالح ، فإذا وجد أحدكم ودًا من أخيه فليتمسك به “.
– وقال الشافعي :
” إذا كان لك صديق يعينك على الطاعة ، فشد يديك به ؛ فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهلة “.
– وقال الحسن البصري :
” إخواننا أحب إلينا من أهلنا وأولادنا ؛ لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة ، ومن صفاتهم : الإيثار “.
– قال لقمان الحكيم لابنه :
” يا بني ؛ ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخًا صادقًا ، فإنما مثله كمثل : ( شجرة ) ، إن جلست في ظلها أظلتك وإن أخذت منها أطعمتك وإن لم تنفعك لم تضرك “.
– ﻣﺮﺽ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ رحمه الله ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻭﻻﺯﻡ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ، ﻓﺰﺍﺭﻩ ﺻﺪﻳﻘﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ رحمه الله ، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃى ﻋﻠﻴﻪ ﻋﻼﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ أﺻﺎﺑﻪ ﺍﻟﺤﺰﻥ .. ﻓﻤﺮﺽ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺃﻳﻀًﺎ .. ﻓﻠﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﺬﻟﻚ .. ﺗﻤﺎﺳﻚ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺫﻫﺐ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ..
ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻗﺎﻝ :
ﻣﺮﺽَ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺭﺗﻪ … ﻓﻤﺮﺿﺖُ ﻣﻦ أﺳﻔﻲ ﻋﻠﻴﻪ
ﺷُﻔﻲ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﻓﺰﺍﺭﻧﻲ … ﻓﺸُﻔﻴﺖُ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻱ إليه
– قال تعالى : ” وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَرًا “. (الزمر : 73)
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- مفسرًا هذه الآية : ” يأبى الله أن يدخل الناس الجنة فرادى ، فكل صحبة يدخلون الجنة سويًا “.
– قال ابن عمر رضي الله عنهما :
” إذا أقسم أحدكم على أخيه فَليُبِرَّه ، فإن لم يفعل فليُكَفِّر الذي أقسم عن يمينه “.
– قال سعيد بن المسيب رحمه الله :
” كتب إليَّ بعض إخواني من الصحابة : أن ضع أمر أخيك على الأحسن ما لم تُغلَب “.
– قال معاوية بن قرة :
” نظرنا في المودة والإخاء ، فلم نجد أثبت مودة من ذي أصل “.
ندعوكم لقراءة : على رأي المَثَل
– قصيدة يا أبا صالح صديق الصلاح للبحتري :
يا أبا صالح ، صديق الصلاح … وشقيق الندى ، وترب السماح
لا أظن الصباح يوفي بإشراق … خلال في ســــــــاحتيك صباح
أي شيء يفـــــــي بعرفك ، إلا … أرج المسك فـــي نسيم الرياح
غير أن الفتوة انــــجذبت منك … بمعدي إلى الصــــــــبا ومراح
حيث ذل الحجى وعز التصابي … وأقام الهوى وســــــــار اللاحي
منعظ الطرف لــــــــا يزال يوالي … لحظات يحبـــــــــــلن قبل النكاح
ومغير على الأصــــــــابع باللمس … لها في أســـــــــــــــــــافل الأقداح
أو تبيت التراس مـــن غير حرب … يتصدعن عن صــــــدور الرماح
نحن في قطعــــــــة وشغلك عنا … بوصال الأستـــــــــاه والأحراح
ولعمري لـــــــــــرب يوم شفعنا … منك سقيا النـــــــدى بسقيا الراح
– قالت هيلين كيلر :
“ تعود فكرة الأخوّة إلى العالم بأهمية أوسع من الارتباط الضيق لبعض الأعضاء في طائفة أو عقيدة ”.
– وهذا مارك براون يقول :
“ في بعض الأحيان يكون الأخ أفضل من القوى الخارقة ”.
– ويقول الكاتب الكبير تشارلز ديكنز :
“ كلما عرف الرجال الكثير عن طباع وشخصيات غيرهم ، كان ذلك أفضل للأخوة المشتركة بينهم ”.
– ويقول الكاتب الأمريكي المعروف مارك توين :
“ الأخوة العالمية بين كافة البشر هي أغلى ما يملكون ”.
– تقول أستريد آودا :
“ لا يوجد حب آخر مثل حب الأخ ، ولا يوجد حب آخر مثل الحب المُقَدَّم من الأخ ”.
– يقول أرلين سبيكتر :
“ لسنا بحاجة إلى حروب مدمرة ، ولكن ما نحتاجه هو التسامح والأخوة والإنسانية البسيطة ”.
– إذا أحسنت إلى أخيك ، فلا تذكر ذلك .
– قال الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله :
” من أسدى منكم إلى أخيه معروفًا أو مكارمةً أو مواصلةً ؛ فلا ينتظر مقارضة عليها ، ولا يذكر ما أتى منها ؛ فإن ذلك مما يوجب الضغائن ، ويسبب التباغض ، ويقبح المعروف ، ويحقر الكبير ، ويدل على المقت والضعة ودناءة الهمة “.
** وصية تُكتب بماء الذهب ؛ فاعملوا بها يرحمكم الله .
– إياك والدخيل :
لا ترخي أذنك فيما يقال عن صاحبك ..
قال أحدهم : من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعنَّ فيه مقالات الرِّجال ..
الكثير من الناس أفسدوا علاقاتهم وهجروا أحب الناس إليهم بسبب دخيل بينهم ؛ مع أن الطرفين من أعرف الناس ببعضهم لكن إرخاء السمع يفسد القلب ويُذهب الود .
– خير الناس :
وخيرُ الناسِ عند الله شخصٌ … تحلى بالمكارمِ والصفاتِ
إذا جالسته يومًا تجدهُ … لطيفَ القولِ موصولَ الثباتِ
وإن فارقته تشتاق دومًا … لرؤيته دون مقدماتِ